بدأ كابوس وليد الخليلي صباح يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. توجّه وليد (36 عاما)، وهو أب لثلاثة أطفال ويعمل مسعفا وسائق سيارة إسعاف لدى "جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية"، إلى حي تل الهوى بمدينة غزة لإنقاذ أربعة رجال جرحى. عندما وصل إلى حديقة برشلونة، على بعد 20 متر من مبنى وزارة العمل، في شارع المغربي، رأى أربعة رجال محاطين بجنود إسرائيليين.
قال الخليلي: "رأيتهم يُعدمون الرجال الأربعة بدم بارد. رأيت ذلك بأم عيني، كنت على بعد ثلاثة أمتار. عندما أطلقوا النار عليهم، اختبأت تحت سيارة الإسعاف، ثم ركضت إلى مبنى مجاور. اقتحم الجنود الإسرائيليون المبنى وبدأوا يصيحون عليّ بأن أرفع يداي". ركله الجنود وضربوه بأعقاب بنادقهم حتى كسروا ضلوعه.
لم تتمكن "هيومن رايتس ووتش" من التحقق بشكل مستقل من رواية الخليلي عن عملية القتل. لكن معاناته اللاحقة – بما فيها الترحيل من غزة إلى مرافق الاحتجاز الإسرائيلية والتعذيب والحرمان من الرعاية الطبية – تتوافق مع الانتهاكات المرتكبة في السجون الإسرائيلية التي وصفها سبعة عاملين آخرين في مجال الرعاية الصحية قابلناهم. تتوافق روايته أيضا مع تقارير جماعات حقوقية أخرى و"مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" وصحفيين.
أجبره الجنود على التعري علنا، وقيدوا يديه خلف ظهره، وعصبوا عينيه، واقتادوه إلى مكان آخر. قال: "ظلوا يقولون لي: قل أنك من حماس". تذكّر برد نوفمبر/تشرين الثاني القارس. وضعه الجنود لاحقا في مركبة عسكرية مفتوحة من الخلف، وضربوه وأخذوه إلى منطقة مفتوحة، حيث أُجبر على الاستلقاء على أرض رملية ووجهه للأسفل. قال الخليلي إن الجنود دسّوا وجهه في الرمال بأحذيتهم بشكل متكرر وهددوا بقتله.
ضغط أحد الجنود على رأسه بفوهة بندقيته، وسكب آخر البنزين عليه، وهدد بإشعال النار فيه، وقاد آخرون مركبة عسكرية بسرعة نحوه كما لو كانوا يريدون دهسه - وهو تكتيك أخبرنا عنه محتجز سابق آخر بشكل منفصل -على ما يبدو لترهيبه حتى يقول بأنه عضو في حماس.
ثم نقل الجنود الخليلي إلى قاعدة سدي تيمان العسكرية جنوب إسرائيل، شمال غرب مدينة بئر السبع، على بعد نحو 30 كيلومتر من غزة. قال إن الجنود جروه على الأرض في مركز الاحتجاز، وأزالوا القيود عن كاحليه، وألبسوه حفاضات للبالغين، وأزالوا العصابة عن عينيه. رأى أنه في مبنى كبير "يشبه المستودع" فيه سلاسل تتدلى من السقف. كان عشرات المحتجزين معلقين من السقف ويرتدون الحفاضات أيضا، والسلاسل مربوطة بأصفاد معدنية مربعة.
قال إن جنديا في المنشأة علّقه بسلسلة، بحيث لا تلمس قدماه الأرض، وألبسه ثوبا وعصابة رأس مربوطة بالأسلاك، وصعقه بالكهرباء. قال:
شعرت بالدوار وفقدت الوعي. ضربوني بالهراوات. ظللت أفقد الوعي وأهلوس. ظل يسألني عن الأسرى، ونقل أسرى حماس، وأين كنت في 7 أكتوبر/تشرين الأول. مع كل سؤال كان يصعقني بالكهرباء لإيقاظي. قال لي اعترف وسنتوقف عن تعذيبك.
قال الخليلي إنه كان يُصعق بالكهرباء كل يومين، بالإضافة إلى تعليقه في أوضاع مرهقة وإلقاء الماء البارد عليه.
قال الخليلي إنه كان يُؤخذ كل ثلاثة أيام من "المستودع" للاستجواب. قبل كل استجواب، كان جندي يعطيه عقارا مجهولا على شكل حبوب. قال: "أصابتني الحبوب بشعور غريب، شعور لم أختبره من قبل، كما لو كان عقلي الباطن يتحدث عما في قلبي، وليس أنا. شعرت وكأنني أطير. كنت أرى هلوسات".استجوبه مسؤول إسرائيلي، قال الخليلي، إنه كان يتحدث العربية بطلاقة ودون لكنة، مع التركيز على الأسرى المحتجزين إلى غزة. قال الخليلي: "أخبرني المسؤول بعدد أطفالي وأسمائهم، وعنواني"، وهدد بقتلهم إذا لم يعترف.
رغم كسور ضلوعه، قال الخليلي إنه لم يتلق أي علاج طبي في سدي تيمان. "بُترت ساق" محتجز آخر، على ما يبدو نتيجة تكبيله لفترات طويلة والتعرض للبرد. قال إنه رأى أحد المحتجزين في "المستودع" يصاب بما يعتقد أنه سكتة قلبية؛ أحضر جندي عاملا طبيا إسرائيليا أكد وفاة المحتجز. قال الخليلي إن الجنود أحضروا جثة محتجز آخر إلى المستودع. كانت الصلاة محظورة.
بعد 20 يوما، نقلت الجنود الخليلي، وحيدا، على كرسي متحرك وغير قادر على الوقوف، من سدي تيمان إلى مركز احتجاز أطلق عليه اسم سجن "النقب". كان مقيدا ومعصوب العينين، وقال إن الجنود هددوه بالاغتصاب أثناء نقله. عند وصوله إلى النقب، أخذ المسؤولون في المنشأة "بصمات أصابعي وأعطوني رقما" للتعريف عنه حسبما قال. بعد بضعة أيام، أعطوه ملابس. سُمح لمحتجز آخر، مكلف بالعمل كمترجم ووسيط من قبل الحراس الإسرائيليين، بإحضار الطعام له. استُجوب ثلاث مرات أخرى، لكن لم يتعرض لتعذيب جسدي.
كان المحتجزون الآخرون في النقب أيضا مرضى وجرحى، وتم إحضار رجل كان "ينزف من مؤخرته" بشكل واضح ووضعوه بجوار الخليلي. قال الرجل للخليلي إنه قبل احتجازه، "تناوب ثلاثة جنود على اغتصابه ببندقية من طراز ’إم 16‘ (M16). لم يكن أحد آخر يعرف، لكنه أخبرني كمسعف. كان مرعوبا. كانت صحته العقلية سيئة جدا، وبدأ يتحدث إلى نفسه".
قال الخليلي إنه حصل على مسكنات مضادة للالتهابات ومضادات حيوية دون وصفة طبية، لكن لم يحصل على أي مساعدة طبية أخرى في النقب. كانت الأضواء الساطعة لا تُطفأ مطلقا في المنشأة، ما يجعل النوم صعبا. ينام المحتجزون على حصر رقيقة على الأرض، دون وسائد، مكبلين ومعصوبي الأعين. قال إن الإفطار كان قطعة خبز مع الجبن، وتونة وطماطم على الغداء، وقطعة خبز مع المربى على العشاء.
قال الخليلي إنه بعد أكثر من 30 يوما في النقب، وقّع على أوراق إخلاء سبيل في مكتب المدعي العام وأعيدت له بطاقة هويته الفلسطينية، لكن لم يستعد هاتفه أو نقوده (ما يعادل 1,250 دولار أمريكي) التي أُخِذت منه أثناء احتجاز في غزة. بعد أربعة أيام، في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2023، أُطلق سراحه دون توجيه تهم إليه عند معبر كرم أبو سالم على الحدود بين قطاع غزة ومصر. قال إنه كان يزن 80 كيلوغرام عند اعتقاله، ووزنه الآن 60 كيلوغرام.
في غزة، قدمت "جمعية الهلال الأحمر" الرعاية الطبية للخليلي ونقلته إلى مستشفى أبو يوسف النجار في رفح. رتبت "منظمة الصحة العالمية" للسماح بنقله إلى مصر للعلاج في مايو/أيار، لكن القوات الإسرائيلية كانت قد أغلقت معبر رفح الحدودي في 7 مايو/أيار.
عند تواصلنا الأخير معه، كان الخليلي يقيم في منطقة المواصي بالقرب من خان يونس، وما يزال ينتظر إمكانية نقله إلى مصر للعلاج، منفصلا عن عائلته الموجودة في شمال غزة. قال: "أبكي كل يوم دون عائلتي. أنا وحيد في الجنوب، ليس لدي أحد. أقسم أنني لا أحتاج أي شيء سوى أن أكون مع عائلتي". لم يلتق بعد بابنه الأصغر الذي وُلد في غزة أثناء احتجازه.
قال الخليلي إنه ما يزال يفقد وعيه وقال "أشعر بشيء في رأسي مثل الموجات الدقيقة، وصوت عال"، وتتشنج يداه. يجد صعوبة في النوم بسبب الألم الناتج عن كسور ضلوعه. عندما ينام تراوده كوابيس.