(لاهاي) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنه من المقرر أن تُصدر "محكمة العدل الدولية" رأيا استشاريا في 19 يوليو/تموز 2024 له تبعات مهمة على حماية حقوق الإنسان في فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 57 عاما. وينبع الرأي الاستشاري المتوقع من طلب قدمته "الجمعية العامة للأمم المتحدة" في ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى المحكمة للنظر في التبعات القانونية لسياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
عقدت المحكمة على مدار ستة أيام في فبراير/شباط جلسات استماع بشأن الاحتلال الإسرائيلي. شاركت 50 دولة وثلاث منظمات دولية، وهو أكبر عدد لمشاركين منذ بدء أعلى محكمة في العالم عملها في العام 1946، بحسب تحليل هيومن رايتس ووتش.
قال كلايف بالدوين، مستشار قانوني أول في هيومن رايتس ووتش: "سيكون رأي المحكمة الدولية أول تقييم شامل لعواقب سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي على الحقوق الإنسانية للفلسطينيين. يمكن لتوصيات المحكمة تسليط الضوء على الأسباب الجذرية وراء الفظائع المدمرة الحالية، وفتح الباب أمام جبر الضرر الناتج عن الأذى الفادح الذي ارتكبته السلطات الإسرائيلية بدون عقاب طوال العقود الستة الماضية".
تتمتع المحكمة بصلاحية واسعة بشأن ما يمكن أن تغطيه في رأيها الاستشاري النابع من طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد يتناول مجموعة من القضايا، بدءا من ممارسات إسرائيل وسياساتها التي تنتهك الحظر القانوني الدولي ضد التمييز العنصري، بما يشمل الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري، وانتهاء بمواصلة تطبيق القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في ظل الاحتلال.
يجوز للمحكمة أيضا تقييم المسؤوليات القانونية للدول الأخرى والأمم المتحدة لمعالجة انتهاكات القانون الدولي الناشئة عن الاحتلال الإسرائيلي. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول تبنّي توصيات محكمة العدل الدولية لتوجيه جهودها نحو إنهاء انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين.
إسرائيل، التي ترفض سريان قانون الاحتلال على فلسطين، أعلنت في العام 1967 بشكل غير قانوني ضم القدس الشرقية المحتلة، ونقلت في العام 2023 العناصر الرئيسية لسيطرتها على الضفة الغربية من السلطات العسكرية إلى السلطات المدنية. باعتبارها سلطة الاحتلال في قطاع غزة، ترفض إسرائيل الاعتراف بمسؤولياتها تجاه المدنيين الفلسطينيين، لكنها تظل، من الناحية القانونية، برغم ذلك سلطة الاحتلال في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وعليها واجبات قانونية تجاه السكان المدنيين في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بدأت محكمة العدل الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2022 النظر في العواقب القانونية لسياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم فإن الإجراء يسبق تصعيد الأعمال العدائية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة. في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نفذت الفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة حماس هجوما على جنوب إسرائيل واحتجزت 251 شخصا كرهائن، فارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وواصلت إطلاق الصواريخ العشوائية على المراكز السكانية. هاجمت القوات الإسرائيلية على نحو غير مشروع المباني السكنية والمنشآت الطبية وعمال الإغاثة، وقيّدت عمليات الإجلاء الطبي، وحالت دون وصول المساعدات الإنسانية، واستخدمت التجويع سلاحَ حرب في قطاع غزة، الذي عانى حصيلة فادحة تجاوزت أكثر من 38,600 قتيل، وفقا لتقديرات وزارة الصحة في غزة. كما احتجزت السلطات الإسرائيلية آلاف الفلسطينيين بمعزل عن العالم الخارجي وأساءت معاملتهم، مع استمرار ورود أنباء عن تعرضهم للتعذيب.
في الضفة الغربية المحتلة، حيث قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 530 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، هجّر المستوطنون والجنود تجمّعات سكانية فلسطينية بأكملها، فدمّروا كل منزل فيها، بدعم مفترض من السلطات الإسرائيلية العليا، وصادروا فعليا أراضي السكان.
ومن المتوقع أن يركز الرأي الاستشاري للمحكمة على العواقب القانونية للاحتلال، بدل إجراء تقييم محدد لسلوك القوات الإسرائيلية والفصائل المسلحة الفلسطينية خلال الأعمال العدائية الأخيرة. إلا أن التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبتها جميع الأطراف منذ أكتوبر/تشرين الأول حدثت في سياق الاحتلال وتسريع السلطات الإسرائيلية توسيع المستوطنات غير القانونية، فضلا عن ارتكاب الجريمتَين ضد الإنسانية المستمرتين المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين. كما أشارت 25 دولة في مذكرات مقدمة إلى المحكمة إلى أن إحدى العواقب الرئيسية للاحتلال كانت ارتكاب إسرائيل الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري أو الاضطهاد ضد الفلسطينيين.
تفصل المحكمة في النزاعات بين الدول وتصدر آراء استشارية بشأن القانون الدولي. لا تتمتع المحكمة بالولاية القضائية على سلوك الفصائل المسلحة غير التابعة للدول مثل حماس. ورغم أن الآراء الاستشارية الصادرة عن المحكمة غير ملزمة، إلا أنها يمكن أن تحمل سلطة أخلاقية وقانونية كبيرة ويمكن أن تصبح في نهاية الأمر جزءا من القانون الدولي العرفي، وهو ملزم قانونا للدول. تناول الرأي الاستشاري الأخير للمحكمة، في العام 2019، إقدام بريطانيا على ترحيل سكان أرخبيل تشاغوس وإنهاء الاستعمار في موريشيوس.
ويمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة عقد مناقشة حول الرأي. وقد صوّتت بأغلبية ساحقة في العام 2004 لصالح مطالبة إسرائيل بالالتزام بالرأي الاستشاري الذي أصدرته المحكمة في يوليو/تموز 2004، والذي خلص إلى أن مسار الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل ينتهك القانون الدولي ويجب تفكيكه.
وهذه الدعوى منفصلة عن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام المحكمة، التي تدّعي أن إسرائيل انتهكت "اتفاقية الإبادة الجماعية". وبينما من المرجح أن يستغرق الحكم بشأن أحقية هذا الادعاء سنوات، أمرت المحكمة إسرائيل ثلاث مرات باتخاذ تدابير محددة، من قبيل تمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية لغزة. تُظهر أبحاث هيومن رايتس ووتش مواصلة إسرائيل تجاهل أوامر المحكمة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الفلسطينيين في غزة.
تختلف إجراءات محكمة العدل الدولية هذه أيضا عن الإجراءات المرفوعة أمام "المحكمة الجنائية الدولية"، التي تتمتع بصلاحية تقييم المسؤولية الجنائية للأفراد. في 20 مايو/أيار، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان عزمه استصدار أوامر اعتقال ضد مسؤولَيْن إسرائيليَّيْن كبيرَيْن وثلاثة من قادة حماس. أكد خان أن مكتبه يجري تحقيقا منذ مارس/آذار 2021 في الجرائم الفظيعة المرتكبة منذ العام 2014 في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وتمتُّع مكتبه بسلطة قضائية على الجرائم في الأعمال العدائية الحالية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة التي تغطي التصرفات غير القانونية لجميع الأطراف.
ونظرا لأن مسؤوليات سلطة الاحتلال تجاه حقوق السكان الخاضعين للاحتلال تتزايد بمرور الوقت، دعت هيومن رايتس ووتش إسرائيل أيضا إلى تزويد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بحقوق مساوية على الأقل لتلك التي تمنحها لمواطنيها، بالإضافة إلى الحماية التي يوفرها القانون الإنساني الدولي.
تتألف محكمة العدل الدولية من 15 قاضيا تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة و"مجلس الأمن" لمدة تسع سنوات. قدمت 57 دولة ومنظمة دولية بيانا مكتوبا ضمن الإجراءات في يوليو/تموز 2023. وقدمت 15 دولة ومنظمة دولية تعليقات كتابية إضافية في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023. وقدمت إسرائيل بيانا مكتوبا واختارت عدم المشاركة في جلسات الاستماع الشفهية.
قال بالدوين: "تُظهر مشاركة دول عديدة في جلسات الاستماع التي سبقت صدور الحكم أهمية القضايا المعروضة على محكمة العدل الدولية. يمكن أن يوفر هذا الرأي خارطة طريق مفيدة للدول الساعية إلى حماية حقوق الإنسان وإنهاء سنوات من الإفلات من العقاب على الانتهاكات الحقوقية في إسرائيل وفلسطين".