Skip to main content

سوريا تجميد جماعي غير قانوني للأصول

المئات من سكان زاكية تضرروا منذ أوائل 2024

مبنى المصرف المركزي في العاصمة السورية دمشق، 28 فبراير/شباط 2012. © 2012 أنور عمرو/أ ف ب عبر غيتي إيمجز

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن وزارة المالية السورية استهدفت منذ مطلع 2024 مئات الأشخاص وعائلاتهم من بلدة جنوب دمشق بتجميد غير قانوني للأصول. يشكل التجميد الجماعي للأصول عقابا جماعيا وانتهاكا للحق في الملكية.

تستند هذه القرارات إلى مرسوم صدر عام 2012 يخوّل وزارة المالية تجميد أصول الأفراد على ذمة التحقيق للاشتباه في الإرهاب بموجب قانون مكافحة الإرهاب الفضفاض في سوريا، حتى لو لم يُتهموا بارتكاب جريمة.

قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أن الطبيعة العشوائية لهذا التجميد الجماعي للأصول في زاكية تعكس استراتيجية أوسع للعقاب الجماعي ضد المجتمعات المحلية في المناطق التي تم استعادتها. استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لتبرير تجميد الأصول والمصادرة غير القانونية هو سياسة متعمدة تهدف إلى الحفاظ على مناخ الخوف والقمع في مناطق المعارضة السابقة".

راجعت هيومن رايتس ووتش قرارات "الحجز الاحتياطي" الصادرة بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران والتي استهدفت مئات الأشخاص من زاكية، وهي بلدة استعادتها القوات الحكومية من جماعات المعارضة في 2016. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع شخصين متضررين من هذه الإجراءات، أحدهما لا يزال في زاكية، وآخر نزح إلى الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة في 2017. من بين المتضررين الأشخاص المستهدفين أنفسهم وكذلك الأقارب من الدرجة الأولى، بما في ذلك الوالدان والأزواج والأبناء والأشقاء. مثلا، في أحد القرارات المتاحة، من بين 103 أشخاص مدرجين في القائمة، تم استهداف 19 بشكل مباشر، و84 كانوا من أقاربهم من الدرجة الأولى.

وجد تقرير تفصيلي صدر اليوم عن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان "أن من بين 817 شخصا مدرجين في "قرارات الحجز الاحتياطي" الصادرة في 2024، وقّع 286 شخصا على وثائق تسمح لهم بالبقاء في زاكية بعد استعادتها بشرط الامتناع عن الانخراط في أنشطة مناهضة للحكومة. تعذّر تحديد هوية 196 آخرين، و187 كانوا نازحون داخليا، و69 لاجئا، و37 مختفيا قسرا، و22 مفقودا، و20 متوفيا.

قال أحد الرجال الذين تمت مقابلتهم إنه من بين عدد من مقاتلي المعارضة الذين قاوموا التهجير القسري بعد استعادة زاكية، ورفضوا في البداية التوقيع على ما يسمى بـ"اتفاقيات المصالحة" مع السلطات التي سمحت للمقاتلين بالبقاء بأسلحتهم الخفيفة بعد عملية تدقيق من قبل الأجهزة الأمنية. قال إنهم منذ ذلك الحين وافقوا شفهيا ثلاث مرات على تسليم أسلحتهم مقابل إطلاق سراح المحتجزين، إلا أن السلطات نكثت بوعودها.

قال: "هذه القرارات مزاجية واعتباطية وانتقامية وكيدية بطبيعتها"، مشيرا إلى أنه وزوجته كانا مدرجين على القوائم، بالإضافة إلى 19 من أقاربه من الدرجة الثانية.

أشار الشخصان اللذان تمت مقابلتهما إلى أنه لم يتم إخطارهما بقرار تجميد ممتلكاتهما المنقولة وغير المنقولة، بما يتعارض مع القانون السوري. قال الرجل الذي بقي في زاكية إنه لم يعلم بالأمر إلا في أواخر مارس/آذار، عندما حاول شخص آخر من سكان زاكية إجراء معاملة تتعلق بممتلكاته في مكتب السجل العقاري ليجد أنه يخضع لتجميد الأصول. استفسر المقيم الآخر عن الأمر واكتشف أن الأوامر طالت المئات من الأشخاص الآخرين.

تستند جميع قرارات "الحجز الاحتياطي" التي تم تحليلها إلى "قانون سلطات الضابطة العدلية" في سوريا (المرسوم التشريعي 63 لعام 2012)، والذي يخوّل وزارة المالية تجميد أصول الأشخاص تحفظيّا ودون أمر من المحكمة بناء على طلبات من سلطات الضابطة العدلية حتى انتهاء التحقيق في "الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي" والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب التعسفي في سوريا لعام 2012. وفي حال تمت محاكمتهم وإدانتهم، يتم بعد ذلك مصادرة ممتلكاتهم تلقائيا وتحويلها إلى الحكومة.

أشارت القرارات أيضا إلى بلاغات منفصلة من الفرع 285 سيء السمعة التابع لإدارة المخابرات العامة ومقره دمشق. كما تضمنت بيانا ختاميا يبرر هذا الإجراء بالإشارة إلى تورط الأفراد في "الأحداث الجارية بالقُطْر".

قال المقيم السابق الذي يعيش حاليا في الشمال الغربي إنه اكتشف أنه قد استُهدف بعد أن وجد اسمه على نسخ من الأوامر التي تم تداولها على صفحة فيسبوك مخصصة لأخبار زاكية. قال: "تضمنت اسمي وأسماء والديّ وإخوتي وأسماء أعمامي وأبناء عمومتي. لا أعرف السبب". قال إنه في حين أن بعض أقاربه الذين شملهم الأمر لا يزالون في زاكية، إلا أن البعض الآخر محتجز منذ فترة طويلة، وبعضهم في تركيا وأماكن أخرى في أوروبا.

قال: "أعرف أحد الرجال المشمولين [في أوامر الحجز الاحتياطي] وهو متوفى منذ 1988".

يمكن لتجميد الأصول أن يُعرقل بشدة الاستقرار المالي للأشخاص، مما يحد من قدرتهم على الوصول إلى الأموال، والحفاظ على الممتلكات، وممارسة الأعمال التجارية، وبالتالي يفاقم الصعوبات الاقتصادية وربما يعرقل سبل عيشهم.

قال أحد سكان زاكية: "لديّ قطعة أرض مساحتها ثماني دونمات أقوم بزراعتها. أدرِجت ضمن الأصول المجمدة. والآن لا أستطيع بيعها أو تأجيرها. يمكنهم، بعد فترة، مصادرتها وأخذها. وكذلك الأمر بالنسبة لأصولي المنقولة، سيارتي، [التي] لا يمكنني فعل أي شيء بها الآن. وإذا كان لدي أي أموال في البنك، سيحصل الأمر نفسه، ولن أتمكن من سحبها".

لم يقل أي من الرجلين أنهما حاولا الاستئناف أو الطعن في القرار مباشرة لدى الحكومة. قال المقيم الحالي في زاكية إن قادة المجتمع المحلي ورئيس البلدية بعثوا برسالة إلى إدارة المخابرات العامة في أبريل/نيسان ذكروا فيها أن الأوامر كانت ظالمة وتعسفية، لكن على حد علمه لم يتلقوا أي رد.

سبق لـ هيومن رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان أن وثقتا استخدام الحكومة السورية ترسانة من الأدوات التشريعية للاستيلاء على الممتلكات الخاصة للسكان دون وجه حق ودون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة أو التعويض. وتشمل هذه القوانين المرسوم 63 لعام 2012.

تخلق مثل هذه القوانين عوائق كبيرة أمام عودة اللاجئين والنازحين الراغبين في استعادة ممتلكاتهم وإعادة بناء حياتهم. كما أنها تعقّد جهود إعادة الإعمار الدولية، نظرا لأن الشركات المشاركة في عمليات الهدم أو إعادة تأهيل المباني يمكن أن تواجه خطر المساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان والتهجير القسري إذا كانت تتعامل مع ممتلكات استولت عليها الحكومة بشكل غير قانوني.

قالت هيومن رايتس ووتش إن المرسوم رقم 63 ينتهك ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة من خلال عدم توفير وسيلة للطعن أو الإخطار الرسمي للأفراد المدرجين في القائمة. كما أنه ينتهك حقوق الملكية المحمية بموجب المادة 15 من الدستور السوري وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

يضمن "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" و"الميثاق العربي لحقوق الإنسان" الحق في الملكية. ينص الميثاق العربي على أن "حق الملكية الخاصة مكفول لكل شخص ويحظر في جميع الأحوال مصادرة أمواله كلها أو بعضها بصورة تعسفية أو غير قانونية". وجدت المحاكم الدولية أن الحق في الملكية والممتلكات يحمي حقوق الملكية التقليدية وإن كانت غير موثقة على المنازل والأراضي، بالإضافة إلى الحقوق الموثقة بسندات ملكية الأراضي الرسمية وتسجيلها.

يعرّف قانون مكافحة الإرهاب في سوريا الإرهاب بشكل فضفاض بطريقة تسمح للحكومة بتصنيف أي فعل تقريبا كجريمة إرهابية، بما في ذلك المساعدات الإنسانية أو الاحتجاجات غير العنيفة، ويفتقر إلى معايير إجرائية واضحة.

من خلال معاقبة الأشخاص لمجرد قرابتهم العائلية مع الشخص المتهم، وليس استنادا إلى مسؤوليتهم الجنائية الفردية، فإن تنفيذ وزارة المالية للمرسوم 63 يشكل أيضا عقابا جماعيا، وهو أمر محظور في جميع الظروف بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة السورية تقديم أسباب محددة وفردية لتجميد أصول الأشخاص والسماح للأشخاص المتضررين، بمن فيهم الأقارب، بالطعن في القرار. يتعيّن على الحكومة تعديل قانون مكافحة الإرهاب والقوانين الأخرى ذات الصلة لإزالة أي تعريفات فضفاضة للإرهاب وإدراج الإجراءات القانونية الواجبة وضمانات المحاكمة العادلة.

قال كوغل: " بالنسبة للاجئين الذين يواجهون ضغوطا متزايدة للعودة من الدول المجاورة وأوروبا، تُبيّن هذه الإجراءات التعسفية بتجميد الأصول الانتقام والانتهاكات الحكومية المستمرة، مما يجعل احتمال أن يجدوا الاستقرار والأمن عند عودتهم ضئيلا للغاية".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة