(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش'' اليوم إن غالبية الناس في لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث تتحمل الأسر ذات الدخل المحدود العبء الأكبر. ينبغي للحكومة اللبنانية و"البنك الدولي" اتخاذ إجراءات عاجلة للاستثمار في نظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق ويضمن مستوًى معيشيا لائقا للجميع.
ألقى بحث جديد أجرته هيومن رايتس ووتش الضوء على المستويات المقلقة للفقر وانعدام الأمن الغذائي في لبنان بسبب تراجع النشاط الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي، وارتفاع تكاليف المعيشة. لا تضمن استجابة السلطات حق كل فرد في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحق في الغذاء. يمكن أن تساعد الحماية الاجتماعية الشاملة التي تؤمن الحق في الضمان الاجتماعي لكل فرد في لبنان تخفيف الصدمات الاقتصادية وضمان مستوى معيشي لائق، بما يشمل أوقات الأزمات. لكن نظام الحماية الاجتماعية في لبنان مجزّأ للغاية، ما يترك معظم العمال غير الرسميين، والمسنين، والأطفال دون أي حماية، ويعزز انعدام المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
قالت لينا سيميت، باحثة أولى في العدالة الاقتصادية في هيومن رايتس ووتش: "دُفع بملايين الأشخاص في لبنان إلى براثن الفقر واضطروا إلى تقليص كميات طعامهم. بعد ثلاث سنوات من الأزمة الاقتصادية، لم تتخذ الحكومة تدابير كافية، فنظام الدعم الحالي يصل إلى نسبة صغيرة للغاية من ذوي الدخل المحدود، تاركا الغالبية دون أي حماية".
تغطية برامج المساعدة الاجتماعية الحالية، الممولة جزئيا من البنك الدولي، ضئيلة وتستهدف بشكل ضيق للغاية الأسر التي تعيش في فقر مدقع، ما يترك شرائح كبيرة من السكان غير المؤهلين معرضين للجوع، وعاجزين عن الحصول على الأدوية، ويخضعون لأنواع أخرى من الحرمان التي تقوض حقوقهم مثل الحق في الغذاء والصحة. لم تعتمد الحكومة بعد استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية تضمن الحق في الضمان الاجتماعي للجميع.
بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ويناير/كانون الثاني 2022، أجرت هيومن رايتس ووتش مسحا على عينة تمثيلية شملت 1,209أُسر في لبنان لجمع معلومات حول الظروف الاقتصادية للأفراد وقدرتهم على تحمل تكاليف الطعام، والأدوية، والسكن، والتعليم. سأل الباحثون الأسر عما إذا كانوا يتلقون دعما ماليا أو عينيا من الحكومة، أو الجماعات الدينية أو السياسية، أو المنظمات غير الحكومية، وتحدثوا مع أفراد الأسر حول تأثير نقص الدخل الكافي.
تسلط نتائج المسح الضوء على خطورة الوضع وتشير إلى أن نظام الحماية الاجتماعية الحالي عاجز عن مواجهة الأزمة بالنسبة لكثير من الناس. قال قرابة 70% من الأسر إنهم واجهوا صعوبة في تغطية نفقاتهم أو تأخروا دائما عن دفع النفقات الأساسية في العام السابق.
ومع ذلك، فإن أقل من 5% من الأسر في لبنان تلقت أحد أشكال المساعدة الحكومية. كانت الأسر التي تضم شخصا من ذوي الإعاقة، والأسر التي تعيلها نساء، والأسر ذات الدخل المحدود أكثر عرضة للمعاناة في تغطية نفقاتها. واجه الأشخاص ذوو الدخل المحدود الصعوبات الأشد، على الرغم من أن الأسر من جميع الطبقات الاقتصادية تكافح من أجل تغطية الاحتياجات الأساسية. في حين أن ما يقرب من 94% من الخُمس الأدنى دخلا أفادوا عن صعوبة تغطية الاحتياجات الأساسية، فإن 26% من أصحاب الدخل الأعلى أفادوا بذلك أيضا.
أدى ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض قيمة العملة المحلية، والارتفاع الهائل في معدلات التضخم، ورفع الدعم عن الأدوية والوقود إلى زيادة الصعوبة التي يواجهها الكثير من الناس لتلبية احتياجاتهم الأساسية. ووجد المسح أن تقريبا أربع من كل خمس أسر لديها معيل فقد العمل منذ بدء الأزمة في 2019، مع بقاء حوالي 15% عاطلين عن العمل منذئذ. كانت الأسر التي ما يزال أحد أفرادها عاطلا عن العمل أكثر عرضة لمواجهة صعوبة في تلبية احتياجاتها.
بلغ متوسط الدخل الشهري للأسر 122 دولار أمريكي فقط واستمر التضخم في الارتفاع بشكل كبير منذ إجراء المسح. متوسط حجم الأسرة هو أربعة أشخاص، بينهم طفل واحد عمره أقل من 18 عاما. نسبة الأسر التي تعيش على دخل محدود للغاية كانت عالية: على الصعيد الوطني، يكسب 40% من الأسر تقريبا 100 دولار أو أقل شهريا ويكسب 90 % من الأسر أقل من 377 دولار شهريا.
قالت هيومن رايتس ووتش إن شدة الأزمة الاقتصادية الحالية تؤكد الحاجة الماسة إلى نظام حماية اجتماعية شامل قائم على الحقوق ولا يترك أحدا، ويلبي حق كل فرد في مستوى معيشي لائق وفي الضمان الاجتماعي الذي يفي بهذا الحق. ينبغي للجهات المانحة والحكومة إدراك المعاناة المنتشرة ووضع نظام يضمن توفير الضمانات الاجتماعية الأساسية، مثل إعانات الأطفال، وذوي الإعاقة، والبطالة، وتقاعد الشيخوخة، حيث تتحمل الدولة مسؤولية ضمان حصول الجميع على الغذاء والدخل بشكل آمن.
يمكن أن تلعب البرامج التي تستهدف الفقر دورا ثانويا في أنظمة الحماية الاجتماعية الشاملة طالما أن الفوائد التي تحمي الجميع من الطفولة إلى الشيخوخة مضمونة. لكن مثل هذه البرامج ينبغي ألا تكون الأساس لنظام حماية يكون مجزأً بغيابها.
يمكن للحكومة حشد الموارد المحلية لتوسيع التغطية والوصول تدريجيا إلى الحماية الاجتماعية الشاملة. على سبيل المثال، قدّرت الأمم المتحدة في 2020 أن فرض ضرائب على شريحة الـ 10% الأعلى دخلا بمعدل 0.9% من شأنه أن يخفف من حدة الفقر المدقع على النحو المحدد في خط الفقر مدقع، في حين أن فرض الضريبة بمعدل 3.6% سيخفف من حدة الفقر المعتدل الذي يقاس بقوة شرائية تبلغ 14 دولار أمريكي في اليوم، وهي منهجية تحوّل العملات إلى وحدة مشتركة يمكن مقارنتها في بلدان مختلفة.
الحق في الضمان الاجتماعي مكرّس في كل من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". تنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص "الحقُّ فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه". الضمان الاجتماعي هو المفتاح لتأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، لا سيما الحق في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحق في الغذاء، والرعاية الطبية، والملبس، والسكن اللائق، والخدمات الاجتماعية الضرورية الأخرى.
قالت "لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" إنه، للوفاء بالحق في الضمان الاجتماعي، الدول ملزمة بالوفاء بالحد الأدنى من الحماية لأولئك الذين يحتاجون إليها، ومن ثم تحقيق التغطية الشاملة والمستويات المناسبة من المزايا بمرور الوقت.
يتطلب الضمان الاجتماعي على النحو المنصوص عليه في اتفاقية "منظمة العمل الدولية" رقم 102 لعام 1952 من الدول الأعضاء توفير الرعاية الطبية، وإعانات المرض، وإعانات البطالة، وإعانات الشيخوخة، وإعانات إصابات العمل، وإعانات الأسرة، وإعانات الأمومة، وإعانات الورثة للعمال وأسرهم، وإعانات أخرى.
الحق في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك أشكال الحماية الاجتماعية المختلفة، محمي أيضا بموجب معاهدات حقوق الإنسان الدولية الأخرى ولبنان طرف فيها، وتشمل "اتفاقية حقوق الطفل" (المادة 26)، و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (المادتان 11 و14)، و"اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" (المادة 28).
قالت سيميت: "إنشاء نظام حماية اجتماعية حسن التصميم هو وفاء بالتزامات حقوق الإنسان المهمة المتمثلة بمستوى معيشي لائق والضمان الاجتماعي، فهو يخلق أداة قوية للمساعدة في الحدّ من الفقر وعدم المساواة الاقتصادية".
انعدام الأمن الغذائي
يتعرض الحق في الغذاء لتهديد شديد في لبنان في مختلف شرائح المجتمع، حيث تقول الأسر إن نقص الأموال أو الموارد الأخرى كان السبب الرئيسي لتفويت الوجبات أو نفاد الطعام. في أكثر من أسرة واحدة من بين كل أربع أسر، كان على شخص بالغ أن يفوّت وجبة بسبب نقص المال الكافي أو الموارد الأخرى للحصول على الطعام. كما نفد الطعام لدى 20% من الأسر في الشهر السابق بسبب نقص الموارد.
يواجه أصحاب الدخل المحدود بشكل خاص انعدام الأمن الغذائي. 43% من الأسر التي شملها المسح والتي يقضي فيها شخص بالغ يوما كاملا دون تناول الطعام كانت ضمن شريحة الـ 20% الأدنى دخلا. كانت الأسر التي لديها أطفال والأسر التي تعيلها نساء أكثر احتمالا من غيرها أن تقول إنه لم يكن هناك في بعض الأحيان أو في كثير من الأحيان ما يكفي من الطعام في الشهر السابق.
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه، مع ذلك، هو أن من بين 80% من أصحاب الدخل الأدنى، قالت أسرة واحدة تقريبا من كل خمس أسر إن طعامها قد نفد في الشهر السابق.
تشير الأبحاث التي أجرتها الأمم المتحدة إلى أن الوضع لم يتحسن منذ أن أنهت هيومن رايتس ووتش المسح في يناير/كانون الثاني. وجد مسح أجرته "اليونيسف" في يونيو/حزيران أن ما يصل إلى 70% من الأسر تقترض المال لشراء الطعام أو تشتريه بالدين. وقالت إنه يتم إرسال المزيد من الأطفال للعمل لإعالة أسرهم، ويتم تزويج الفتيات الصغيرات لتخفيف النفقات المالية.
المساعدات الحكومية
قال عدد ضئيل جدا من المشاركين في المسح إنهم تلقوا دعما ماليا أو عينيا من الحكومة. أبلغت أقل من 5% من الأسر عن تلقي أي نوع من المساعدات الحكومية، التي كان معظمها عينيا فقط. توزعت الـ 5% من الأسر التي تلقت المساعدة الحكومية على جميع مستويات الدخل. في الواقع، لا يبدو أن المساعدة تستهدف ذوي الدخل المحدود. بدلا من أن تكون الأسر ذات الدخل المحدود هي التي تتلقى مساعدات بمعدلات أعلى من غيرها، تم تلقي المساعدات من قبل 4 إلى 8% من الأسر ضمن جميع شرائح الـ 10% من أصحاب الدخل، ما عدا أغنى 10%.
نظام الحماية الاجتماعية
نظام الحماية الاجتماعية في لبنان هو نموذج مزدوج يوفر التأمين الاجتماعي للميسورين والمساعدة الاجتماعية لمن يعيشون في فقر مدقع، ويستبعد نسبة كبيرة ممن يعيشون على دخل متوسط أو منخفض. يشمل التأمين الاجتماعي مجموعة من البرامج القائمة على الاشتراكات عبر "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" المرتبطة بالعمل الرسمي، في سوق عمل يغلب عليه الطابع غير الرسمي، فيكون الكثيرون غير مؤهلين للاستفادة من البرنامج. تقدر منظمة العمل الدولية أنه في يناير/كانون الثاني 2022، وصلت العمالة غير الرسمية إلى 62.4%، بزيادة قدرها 7.5 نقطة مئوية، عن النسبة البالغة 54.9% في 2018-2019.
يتلقى "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا"، وهو برنامج المساعدة الاجتماعية الرئيسي في لبنان، مساعدة فنية ومالية من البنك الدولي. على الرغم من مستويات انعدام الأمن الغذائي التي تنذر بالخطر، فإن التغطية منخفضة، حيث يستفيد 3.5% من السكان من البرنامج، وفقا لبيانات البرنامج نفسه. الأهلية مرهونة بالعيش في فقر مدقع، والذي يحدده البنك الدولي من حيث الحد الأدنى من متطلبات السعرات الحرارية. يتم تحديد المستفيدين من خلال اختبار بالوسائل غير المباشرة، عبر إعطاء علامة لكل أسرة بناءً على أكثر من 40 متغيّرا، منها الدخل، والأصول، وجودة المسكن، والمهنة، والخصائص الديموغرافية المنسوبة إلى الفقر. انتقد خبراء السياسات الاجتماعية والأمم المتحدة هذه الطريقة لارتفاع نسب الخطأ فيها، إذ تُستَبعد مئات آلاف الأسر من المساعدة الاجتماعية.
خلال تفشي فيروس "كورونا"، بدأت الحكومة برنامج "شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ"، بتمويل بقرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار أمريكي لمدة ثلاث سنوات، لتوسيع الحماية وتوفير الخدمات الاجتماعية للأسر التي تعيشي في فقر مدقع. بدأ إطلاق البرنامج في مارس/آذار 2022، بهدف الوصول إلى 786 ألف فرد، أي حوالي 11.6% من السكان، بمساعدة نقدية بحلول العام 2025.
بالإضافة إلى برامج المساعدة الاجتماعية التي تستهدف الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، لا تقدم الحكومة تقريبا أي ضمانات ممولة من الضرائب لتأمين الدخل للعمال غير الرسميين، أو الأطفال، أو المسنين. وفقا لبيانات منظمة العمل الدولية المتعلقة بفترة ما قبل الأزمة (2018)، لم يكن لدى حوالي نصف السكان (52.8%) أي نوع من الحماية الاجتماعية. وجد تقرير حديث صادر عن منظمة "هيلب إيج إنترناشيونال"، وهي منظمة غير حكومية تدعم حقوق المسنين، أن الافتقار إلى الحماية الاجتماعية للمسنين في لبنان يعني أن 80% يعتمدون على أسرهم للحصول على الدعم المالي أو يعتمدون على ما لديهم من مدخرات.
على الرغم من التضخم المرتفع والمتصاعد منذ 2019، لم يتم تحديث الحد الأدنى للأجور في لبنان منذ 2017، ويبلغ حاليا 675 ألف ليرة لبنانية شهريا (فقط 16.24 دولار أمريكي بسعر صرف السوق حتى 5 ديسمبر/كانون الثاني 2022). العمل غير الرسمي غير مشمول في تشريعات العمل الوطنية، وبالتالي يتم استبعاده من معايير حماية الحد الأدنى للأجور. في 2021، وجد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع أن الحد الأدنى للأجور غير كافٍ لتحمل كلفة المواد الأساسية مثل الغذاء والوقود، داعيا الحكومة إلى زيادة الحد الأدنى إلى المستويات التي تتوافق مع الأجر المعيشي. تلاحظ لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن الحد الأدنى للأجور "ينبغي أن يحدّد بالرجوع إلى متطلبات العيش الكريم، وأن يطبّق على نحوٍ متسق".
منهجية المسح والمقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش
جمعت هيومن رايتس ووتش بيانات كمية من خلال مسح أُسَري لعينة تمثيلية من 1,209 أسر لبنانية، بالشراكة مع شركة الأبحاث محلية "مؤسسة البحوث والاستشارات"، لتطوير تصميم البحث وأداة المسح. أجرت المؤسسة المسح.
أُجري المسح بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ويناير/كانون الأول 2022. وتم الحصول على موافقة مستنيرة حول الغرض من نتائج المسح، ووجهة استخدامه، وسرية المعلومات من كل مستجيب. تتوفر مجموعة بيانات تم إخفاء هوية أصحابها بالإضافة إلى رموز التحليل في مستودع بيانات على صفحة هيومن رايتس ووتش على "غيت هاب". سعت هيومن رايتس ووتش إلى إجراء مسح للأسر التي كان أفرادها يعيشون في المنزل نفسه منذ 2019 على الأقل. لذا، يتكون إطار العينة فقط من أُسر يستخدم أفرادها المنزل كمسكن دائم لهم.
العينة تمثيلية على المستوى الوطني ومستوى المحافظات. تم استخدام منهجية الاحتمال المتناسب مع الحجم لتحديد حجم العينة لكل محافظة. وداخل كل محافظة، تم توزيع العينة بحسب الأقضية والبلديات، وهما وحدتان إداريتان، باستخدام المنهجية ذاتها. استند التوزيع إلى أحجام السكان التي تم قياسها في أحدث مسح وطني أجرته "إدارة الإحصاء المركزي"، و"مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر" لعام 2018.
تم تحويل الإجابات بشأن الدخل إلى الدولار الأمريكي باستخدام سعر صرف السوق، وليس سعر الصرف الرسمي، في يوم المقابلة. استمر التضخم بوتيرة عالية منذ إجراء المقابلات. لذلك، أصبحت مداخيل الأسر بالدولار الأمريكي أقل وقت النشر (ديسمبر/كانون الأول 2022) مما كانت عليه وقت إجراء المقابلات.
كما أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش مقابلات متعمقة مع 31 مقيما في لبنان حول الأزمة الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى أكاديميين وخبراء في الاقتصاد اللبناني والمؤسسات المالية الدولية.
الفقر وعدم المساواة في لبنان
في بلد فيه إحدى أعلى نِسب التفاوت في الدخل والثروة في المنطقة، يقول الأكاديميون ووكالات الأمم المتحدة إن الأزمة الاقتصادية وسّعت الفجوة، حيث اختفت مدخرات الأسر ذات الدخلين المتوسط والمحدود، وشحّت فيه فرص الارتقاء.
يبلغ عدد سكان لبنان حوالي 6.7 مليون نسمة. قدّرت الأمم المتحدة في أواخر العام 2021 أن نحو نصفهم، أي قرابة 3.28 مليون شخص، دُفعوا إلى فقر الدخل منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان العام 2019. وازداد الوضع سوءا بالنسبة للآخرين الذين كانوا أصلا يعانون لتأمين حقوقهم الاقتصادية الأساسية، بما في ذلك الحق في الغذاء، أو التعليم، أو الرعاية الصحية. فوّت عدد متزايد من البالغين وجبات الطعام أو لم يتمكنوا من توفير تكاليف الأدوية، واضطر المزيد من الأطفال للذهاب إلى العمل لإعالة أسرهم. إضافة إلى هذه الظروف، أدت الحرب المستمرة في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والطاقة. قبل هذه الحرب، كان لبنان يحصل على 80% من إجمالي وارداته من القمح من أوكرانيا، و15% روسيا، بحسب أرقام الجمارك اللبنانية.
استفسر استطلاع هيومن رايتس ووتش عن الدخل الشهري للأسر ووَضَع الأسر في أخماس الدخل بناء على إجاباتها. في كل نطاق مؤلف من 20%، باستثناء الأكثر ثراءً، صرّحت غالبية الأسر أنها تواجه صعوبة في تغطية نفقاتها أو دائما ما تتأخر في تأمين النفقات الأساسية.
تكسب أربع من كل عشر أسر في لبنان أقل من 100 دولار شهريا. يعاني المعيلون أينما كانوا في لبنان، حيث يتراوح متوسط الدخل من 78 دولار شهريا في البقاع إلى 157 دولار في جبل لبنان.
نتج عن انخفاض الدخل والتضخم ثلاثي الأرقام عجز العديد من الناس عن تحمل تكاليف السلع والخدمات الأساسية. قال أكثر من 70% من الأسر إنهم دائما ما تأخروا في تأمين النفقات الأساسية أو واجهوا صعوبة في تلبية احتياجاتهم. من الأسر التي تضم مسنين، لم تتمكن 24% من دفع تكاليف خدمات الدعم في الأشهر الـ 12 السابقة. من الأسر التي تضم شخصا لديه إعاقة، لم تستطع 52% دفع تكاليف خدمات الدعم. أما بالنسبة للأسر التي لديها أطفال، فقد ذكر أكثر من ثلثها أنها تواجه صعوبة في دفع ثمن الوجبات المدرسية.
افتقر لبنان لسنوات إلى بيانات رسمية عن الفقر، ويرجع ذلك جزئيا إلى غياب بيانات التعداد السكاني منذ العام 1932، حيث سدّت الفجوة المنظمات غير الحكومية، والمؤسسات المالية الدولية، ووكالات الأمم المتحدة. في مارس/آذار 2022، أصدرت الحكومة أول مؤشر متعدد الأبعاد للفقر، استنادا إلى بيانات مسح الأسر المعيشية 2018/2019 على 19 مؤشرا يتوزع على خمسة أبعاد: التعليم، والصحة، والرفاه المالي، والبنية التحتية الأساسية، ومستويات المعيشة. وجد التقييم أن في العام 2019 – أي قبل الأزمة – كان 53.1% من السكان يعيشون في فقر متعدد الأبعاد.
تشير بيانات المسح الأخيرة إلى أن مستويات المعيشة قد تدهورت بشدة منذ العام 2019. وتقدر "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (الإسكوا) أن الفقر متعدد الأبعاد ارتفع من 25% عام 2019 إلى 82% عام 2021. ويعيش 74% من السكان في فقر الدخل، بأقل من 14 دولار أمريكي في اليوم. يقدر البنك الدولي أن أكثر من نصف السكان كانوا يعيشون تحت خط الفقر الوطني عام 2020.
تظهر بيانات استطلاع "غالوب" للعام 2021 أن تقريبا تسعة من كل عشرة أشخاص وجدوا أنه من الصعب، وستة من كل عشر أشخاص وجدوا أنه "من الصعب جدا" تغطية نفقاتهم بدخلهم. تضاعف هذا الرقم تقريبا منذ العام 2019. ويقول أكثر من نصف البالغين إنهم يفتقرون إلى المال لشراء الطعام، بزيادة قدرها أربعة أضعاف منذ العام 2018. وقال ثلاثة من كل عشرة أشخاص إنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف المأوى. وقال أكثر من ستة من كل عشرة أشخاص إنهم سيغادرون البلاد إذا استطاعوا.
انعدام الأمن الغذائي ينذر بالخطر
وجدت هيومن رايتس ووتش في استطلاعها أن انعدام الأمن الغذائي قد وصل إلى مستويات تنذر بالخطر، إذ إن العديد من العائلات، بما فيها الأطفال، تعيش الجوع. لا يأكل شخص بالغ في أسرة واحدة من بين كل عشر أسر ليوم كامل بسبب نقص المال. في جميع شرائح الدخل الأدنى المؤلفة من 30%، كانت 30% أو أكثر من الأسر فيها شخص بالغ يفوّت وجبة بسبب نقص الموارد. كُشف عن التأثير البشري لهذه الإحصائيات بشكل صارخ في المقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش.
قالت أم لخمسة أولاد بالغين وولد قاصر إن عائلتها تحصّص الطعام: "نتناول وجبة الغداء فقط، ونفوّت وجبة الإفطار، أما بالنسبة للعشاء، فنتناول ما تبقى... الطعام يزداد كلفة".
واحدة من كل خمس أسر شملها الاستطلاع نفد طعامها في الشهر السابق بسبب نقص المال. ووصفت أم أخرى لخمسة أولاد حالة عسيرة لدرجة أنها تريد مغادرة البلاد. "لا نحصل على الطعام. وصل ثمن الخبز الآن 10 آلاف ليرة لبنانية. بالكاد أستطيع شراءه. أقترض المال لشراء الخبز لسبعتنا. أما ثمن البطاطا فوصل إلى 15 ألف ليرة لبنانية ولا يمكننا تحمل ثمن الزيت لقليها. كل ما أريده هو مغادرة هذا البلد. أتمنى أن أجد شخصا يمكنه أن يأخذنا من هنا".
قالت امرأة تعيش في البقاع: "لديك الآن خياران في لبنان: إما السرقة أو الجوع. لدينا جيران طيبون لحسن الحظ، فهم يساعدوننا في الطعام وأشياء مثل البرغل والأرز. لا يمكننا شراء الدجاج أو لحم البقر". تصف امرأة أخرى تأثير عجزها عن شراء الأطعمة: "تخليت عن كل شيء – لا نعرف العصير، لا نعرف الفاكهة. حتى في رمضان لم أحضر كيلوغرام واحدا من الحلويات أو الفواكه أو القطايف [حلويات رمضان]. هذه الأمور تؤثر علينا. تؤثر على زوجي وأولادي وبشكل خاص نفسيا. لا أحد يساعدنا".
الحماية الاجتماعية
تُعرَّف الحماية الاجتماعية بأنها مجموعة من السياسات والبرامج الهادفة إلى منع جميع الناس أو حمايتهم من التعرض للفقر، والهشاشة، والاستبعاد الاجتماعي من الطفولة إلى الشيخوخة.
يتميز نظام الحماية الاجتماعية في لبنان بمستويات غير متكافئة من الحماية المقدمة إلى أجزاء مختلفة من السكان وثغرات كبيرة في التغطية. تكشفّت عيوبه بشكل أوضح خلال الأزمة. إذ وجدت دراسة أجرتها في العام 2022 "مبادرة سياسات الغد"، وهي منظمة بحثية مستقلة في لبنان، أن الإنفاق على الحماية الاجتماعية بين عامي 2019 و2022 مال بشكل كبير نحو العاملين في القطاع العام – الذين حصلوا على 69% من ميزانية الحماية الاجتماعية بينما كانوا يشكلون فقط خُمس القوى العاملة. في 2021، وجد المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع أن نظام الحماية الاجتماعية له تأثير محدود على تقليص الفقر وعدم المساواة.
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو آلية التأمين الاجتماعي الرئيسية في البلاد، حيث يوفر برامج الدعم الطبي، والتعليمي، والتقاعدي، والعائلي للعاملين في القطاع الرسمي الخاص والقطاع العام. يُستثنى من هذا البرنامج العاملون في الاقتصاد غير الرسمي، والذين قُدّروا بنحو 62% من السكان في يناير/كانون الثاني 2022.
خُصصت 11% فقط من ميزانية الحماية الاجتماعية لبرامج المساعدة الاجتماعية. البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا هو برنامج المساعدة الاجتماعية الرئيسي في لبنان. بدأته الحكومة في العام 2011 بمساعدة فنية ومالية من البنك الدولي. بالإضافة إلى التحويلات النقدية، يوفر البرنامج مجموعة من المزايا التي تشمل الصحة، والتعليم، والمساعدة الغذائية لحوالي 3.5% من إجمالي السكان. تعتمد الأهلية على العيش في "فقر مدقع"، إذ يتحدد المستفيدون من خلال الاختبار بالوسائل غير المباشرة، وهو نهج لاستهداف الفقر.
أُطلِقت شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ خلال تفشي فيروس كورونا كجزء من الاستجابة للأزمة لتوسيع برنامج استهداف الفقر. يُموَّل برنامج المساعدة النقدية بقرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار أمريكي لمدة ثلاث سنوات، رغم أن القرض يموّل التحويلات النقدية لعام واحد فقط. وافق مجلس إدارة البنك الدولي على القرض في يناير/كانون الثاني 2021، مع بدء طرحه في مارس/آذار 2022. يوفر البرنامج 20 دولار شهريا لكل فرد من أفراد الأسرة، بالإضافة إلى مبلغ مقطوع يبلغ حوالي 25 دولار لكل أسرة. كما يغطي التكاليف المباشرة لتعليم 87 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما لمنع التسرب المدرسي.
تسجل نحو 1.6 مليون شخص للحصول على الإعانات في غضون الأسابيع الأولى، رغم أن الإعانات ستُقدّم فقط إلى 150 ألف أسرة (حوالي 786 ألف شخص) باستخدام أسلوب استهداف اختبار سبل الفقر لتحديد الأسر المؤهلة. بالدمج مع برنامج استهداف الفقر، يهدف برنامج الطوارئ إلى الوصول إلى 27% من السكان بحلول العام 2025، أي حوالي 197 ألف أسرة. لكن، حتى سبتمبر/أيلول، تلقت نحو 75 ألف أسرة فقط المساعدة من خلال البرنامج. تَأمّن تمويل البرنامج لمدة عام واحد فقط.
في يونيو/حزيران 2021، وافق مجلس النواب اللبناني على قانون البطاقة التمويلية لبرنامج بقيمة 556 مليون دولار لدعم الأسر ذات الوضع الهش المتضررة من رفع الدعم. حتى نوفمبر/تشرين الثاني، لم تكن البطاقة التمويلية قد طرحت بعد، لأسباب منها الافتقار إلى التمويل.
بالإضافة إلى أخطاء الاستبعاد العالية، يستبعد نظام الحماية الاجتماعية في لبنان بشكل قاطع مجموعات عدة من السكان. توصلت دراسات أجراها "مركز العلوم الاجتماعية للأبحاث التطبيقية"، ومنظمة العمل الدولية، ومبادرة سياسات الغد، والمقرر الخاص المعني بالفقر المدقع إلى أنماط من الإقصاء مرتبطة بحالة العمل، والطبقة، والنوع الاجتماعي، والمواطنة، والانتماء الإثني للمقيمين، وخصائص اجتماعية أخرى كالإعاقة أو السن. لا يتأهل اللاجئون وطالبو اللجوء من فلسطين وسوريا لأي من برامج الحماية الاجتماعية.
وجد استطلاع هيومن رايتس ووتش أن 5% فقط من الأسر أفادت عن تلقي شكل من أشكال المساعدة الحكومية. كشفت مقابلات عديدة عن الإحباط من عدم الاستجابة لطلبات المساعدة.
قالت امرأة عمرها 54 عاما تعيش مع والدتها المريضة: "لا أحد آخر يساعد". قدمت الأسرة طلبا للحصول على مساعدة الحكومة، ولكن دون جدوى. "لا نحصل حتى على مساعدات غذائية. تسجلت للحصول على البطاقة التمويلية، ولكن لم يساعدني أحد. كان الطلب [للحصول على البطاقة التمويلية] واضحا، ولا أعتقد أن الأسئلة كانت صعبة. تلقيت رسالة تأكيد في النهاية عبر رسالة هاتفية. كنت سعيدة، اعتقدت أن شخصا ما سيساعد، لكن لم يفعل أحد. أعتقد أنهم كاذبون. أعتقد أنهم يلعبون بنا".
وافقتها امرأة عمرها 50 عاما تعيش مع شقيقها:
"لم يقدم لنا أحد أي مساعدة، لا أحد مطلقا، ولم يطرق بابنا أحد. لدى أخي بطاقة إعاقة من وزارة الشؤون الاجتماعية ولم يقدموا لنا أي مساعدة، لا شيء على الإطلاق. يحمل البطاقة ولكن كأنه لا يحملها – فهم لا يساعدون. قدمتُ طلبا للحصول على البطاقة التمويلية في أكتوبر/تشرين الأول 2021 لكن حتى الآن لا شيء. لم يتصل أحد ولم يزره أحد".
وصفت امرأة سورية عمرها 33 عاما المساعدة المقدمة من أطراف ثالثة: "نحصل فقط على المساعدة من الأمم المتحدة كلاجئين، إنها مساعدة شهرية لشراء الطعام، يمنحونا المال، ونستخدمه لشراء الطعام".
قال آخرون إنه كان من الصعب فهم المساعدة المتاحة أو عملية تقديم الطلب. مثلا، قالت امرأة تعيش في طرابلس حيث تبيع الطعام الذي تطبخه في المنزل، إنه من الصعب أن تعرف بشأن البرامج لأن نقص الكهرباء يحد من الوصول إلى وسائل الإعلام، قالت: "لم أقدم للحصول على البطاقة التمويلية، لا أعرف حتى ما هي... في الأخبار؟ ليس لدينا كهرباء حتى لنشاهد الأخبار".
قال رجل عمره 75 عاما يعيش مع زوجته وإحدى بناتهما في منطقة بشارة الخوري في بيروت:
"قدمت طلبا للحصول على البطاقة التمويلية والآن نحن ننتظر. مرت عدة أشهر، لم أعد أتذكر متى بالضبط. ساعدني جيراني في التقديم. لم أتمكن من هذا بمفردي لأنه ليس لدي هاتف خلوي، فقط خط أرضي. لا أعرف كيف أستخدم الهواتف الذكية. لولاهم لما تمكنت من التقديم. لا أعرف كيفية استخدام المنصة ولا ملئها – تحتاج إلى مهارات تقنية".
قالت امرأة عمرها 42 عاما في الجناح، في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي عاملة نظافة:
"لا أحد يساعدنا. ملأتُ طلب البطاقة التمويلية منذ حوالي عام. ساعدني مدرّس وفعل كل شيء والتقط الصورة بسرعة كبيرة. لم أفعل بذلك بمفردي لأنه صعب عبر الإنترنت. تلقيت رسالة هاتفية للتأكيد، ولكني لم أتلقّ أي مساعدة".
قال العديد ممن قابلناهم إنهم تلقوا بنجاح مساعدات حكومية للطعام. قال رجل عمره 52 عاما ويعيش في حي باب التبانة في ضواحي مدينة طرابلس في شمال لبنان: "تقدمت بطلب شخصي منذ عامين. لقد تلقيت المساعدة لمدة أربعة أشهر من خلال البطاقة. المبلغ بالضبط 115 دولار ونحن ننفقه على الطعام ولا شيء غير ذلك". قالت امرأة عمرها 55 عاما تعيش مع أطفالها الخمسة في مدينة صيدا الجنوبية: "نحصل على 115 دولار منذ حوالي ثلاثة أشهر. يقدمون 15 دولار عن كل طفل. لنبقى على قيد الحياة – نستخدم المبلغ لإجراء الفحوصات الطبية وإطعام الأطفال. بالكاد يكفينا المبلغ حتى آخر الشهر".
يعتمد الكثير من الناس في لبنان، دون نظام حماية اجتماعي ملائم توفره الدولة، على المساعدة من مجموعات خاصة أو دينية. تصف دراسة أجرتها "شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية" هذه الهياكل بأنها "أنظمة أمنية غير رسمية"، تتلقى من خلالها الأسر المحتاجة المأوى أو الطعام أو العمل. أفاد العديد من الأشخاص الذين قابلناهم أنهم تلقوا مساعدات غذائية أو نقدية من وكالات الأمم المتحدة أو الجهات الإنسانية أو الجماعات الدينية.
مشاكل الاستهداف الضيّق للفقر
تحاول الوسائل غير المباشرة للاختبار تحديد الأسر المؤهلة بناء على وضعها الاقتصادي المتصوَّر من خلال تحليل نقاط البيانات المختلفة لتقدير دخل الأسرة. تستخدم تحليلات إحصائية لمسوح الأسرة وخصائص الأسرة التي يمكن ملاحظتها، مثل التركيبة السكانية أو ملكية الأصول المعمرة مثل أجهزة التلفزيون أو الممتلكات المنزلية الأخرى. انتقد خبراء اليونيسف، ومنظمة العمل الدولية، والسياسات الاجتماعية الاختبار بالوسائل غير المباشرة بسبب معدلات خطأ الاستبعاد المرتفعة. وجدت دراسة أجرتها "كيد أند أثياس" عام 2020 للوسائل غير المباشرة للاختبار في 19 دولة أن أخطاء الاستهداف تتفاوت بين 29% و96%.
تفصّل تقارير منظمة العمل الدولية، و"مسارات التنمية"، والحكومة الأسترالية الطرق التي تكون فيها منهجية هذه الاختبارات غير دقيقة بطبيعتها. تقوم الطريقة في الأساس بافتراض خاطئ بأنه يمكن استخدام خصائص وأصول معينة للأسرة كبديل لاستهلاك الأسرة، وبالتالي الفقر، لأنهما مترابطان. إلا أن الدراسات وجدت أن هذه الارتباطات غير كاملة، وبالتالي فإن النماذج المبنية عليها هي أدوات تنبؤ ضعيفة للاستهلاك والفقر الحقيقييّن. مثل هذه الاختبارات المستخدمة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط تشرح فقط حوالي نصف التباين في الاستهلاك بين الأسر، ما يعني أنها تتنبأ بشكل ضعيف بمستوى فقر الأسرة.
لا يقتصر الأمر على وجود عيوب في الترابط بين البدائل والفقر، ولكن منهجيات جمع البيانات عبر السجلات الاجتماعية لها حدود. الاستطلاعات مكلفة ويصعب تنفيذها. تكوين الأسرة، ودخلها، واستهلاكها هي عوامل دينامية للغاية، ومع ذلك تجري المسوحات المستهدفة بشكل غير منتظم. نتيجة لذلك، تتدهور دقتها بسرعة، ما يؤدي إلى مزيد من الأخطاء في عملية الاستهداف. في لبنان، على سبيل المثال، مسح الأسر الذي بُني عليه الاختبار بالوسائل غير المباشرة الخاص ببرنامج استهداف الفقر أُجري في العام 2011.
أخيرا، وجدت الدراسات أن استهداف الفقر يمكن أن يخلق العداء بين المستفيدين وغير المستفيدين ويضعف العلاقات الاجتماعية. هذا هو الحال بشكل خاص حيث لا يوجد فرق كبير في مستويات المعيشة بين المستفيدين وغير المستفيدين.