- استخدمت السلطات الإيرانية القوة المفرطة والقاتلة ضد أشخاص غالبيتهم أكراد يعبرون الحدود من العراق ومعهم بضائع لإعادة بيعها.
- معدلات البطالة والفقر المرتفعة من بين الأسباب التي تدفع الناس للعمل بشكل قانوني أو غير قانوني، كناقلي بضائع عبر الحدود (يُعرفون بـ "كولبار") وهو عمل خطير يتطلب جهدا بدنيا.
- ينبغي للسلطات الإيرانية تطوير فرص اقتصادية مستدامة في المناطق الحدودية لتقليل الاعتماد على أعمال النقل عبر الحدود حتى تتمكن هذه المجتمعات من تدبّر أمورها اقتصاديا.
(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات الإيرانية استخدمت القوة المفرطة والقاتلة ضد ناقلي البضائع عبر الحدود، وأغلبهم من الأكراد، والمعروفين بالكردية والفارسية بـ "كولبار"، الذين ينقلون البضائع بين إيران والعراق عبر مناطق وعرة. يحظى الناقلون بفرص محدودة للوصول إلى العدالة أو الانتصاف عن هذه الانتهاكات، وأساءت السلطات الإيرانية معاملة الأشخاص الذين اعتقلتهم.
تقمع السلطات الإيرانية وتُهمّش المجتمعات الكردية منذ فترة طويلة. المعدلات المرتفعة للبطالة والفقر من بين الدوافع الرئيسية للناس للعمل، بشكل قانوني أو غير قانوني، كناقلي بضائع عبر الحدود، وهو عمل خطير يتطلب جهدا بدنيا حتى بما يتجاوز المخاطر الإضافية التي تشكلها قوات الأمن الإيرانية. قالت منظمة "متحدون من أجل إيران" المعنية بحقوق الإنسان، إن معظم ناقلي البضائع عبر الحدود من الرجال والفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و65 عاما، وبينهم بعض النساء. زعمت السلطات الإيرانية أنها استخدمت القوة لوقف التهريب، لكنها قالت أيضا إنها تريد تنظيم الأنشطة الاقتصادية لناقلي البضائع عبر الحدود على نطاق أوسع بدلا من قمعها بالعنف.
قالت ناهيد نقشبندي، باحثة إيران بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "استخدام قوات الأمن الإيرانية المفرط للقوة القاتلة ضد ناقلي البضائع عبر الحدود الأكراد هو وسيلة أخرى تستخدمها السلطات لقمع المجتمعات الكردية المهمشة اجتماعيا واقتصاديا. ينبغي للسلطات الإيرانية تطوير فرص اقتصادية مستدامة في المناطق الحدودية لتقليل الاعتماد على نقل البضائع عبر الحدود، حتى تتمكن هذه المجتمعات من تدبّر أمورها اقتصاديا".
بين أكتوبر/تشرين الأول 2021 وأبريل/نيسان 2024، قابلت هيومن رايتس ووتش مقابلات 13 من ناقلي البضائع عبر الحدود الأكراد الناجين و/أو الشهود على استخدام قوات الأمن الإيرانية للقوة المفرطة والقاتلة أو أقارب الضحايا. قال شهود إن قوات حرس الحدود الإيرانية (فراجا) و"الحرس الثوري الإسلامي" من بين الوحدات التي استهدفت ناقلي البضائع عبر الحدود بالقوة القاتلة.
وقعت حوادث موثقة على طول المناطق الحدودية بين إيران والعراق في محافظتي كرمانشاه وأذربيجان الغربية الإيرانيتين. كان جميع الأشخاص الـ 13 أكرادا، وأجريت المقابلات عن بعد باللغتين الكردية والفارسية. وصف الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش حوادث وقعت بين 2014 و2023.
قال ستة أشخاص قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن الإيرانية استهدفتهم وأطلقت النار عليهم، وإنهم رأوا آخرين يتعرضون لإطلاق النار. قال اثنان إن قوات الأمن الإيرانية أطلقت النار على أقاربهما الذين كانوا يعملون في النقل عبر الحدود وقتلتهم. فقدَ أحدهم ساقه بعد أن داس على لغم أرضي. راجعت هيومن رايتس ووتش السجلات الطبية ووثائق المحكمة لستة ناجين من ألغام أرضية وإصابات بأعيرة نارية، ومن بينهم شخصان فقدا أطرافهما بعد انفجار لغم أرضي. قال ثلاثة إن قوات الأمن الإيرانية احتجزتهم وضربتهم وهي توجه إليهم الإهانات.
اقترح إبراهيم رئيسي، الرئيس المتوفى مؤخرا، في اجتماعات مع المجتمعات الكردية أن السلطات يجب أن تُنظم عمل الناقلين عبر الحدود الأكراد بدلا من اعتباره غير قانوني. منذ 2020، كانت هناك خطط في الحكومة والبرلمان بشأن التدابير التنظيمية لعمل الناقلين، ودعم الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الحدودية، ودعوات للحد من استخدام القوة المميتة ضد الكولبار.
مع ذلك، صنّف مسؤولون في قوات الأمن الإيرانية هذا النشاط على أنه قضية أمنية. في 16 ديسمبر/كانون الأول 2018، نقلت وكالة أنباء "إسبادانا خبر" عن الجنرال قاسم رضائي، قائد حرس الحدود الإيراني، قوله إن "الحدود يحددها القانون؛ وأي عبور غير مصرح به للحدود يعتبر جريمة".
وفقا لتقرير صدر في 8 يوليو/تموز عن "مركز مؤيدي حقوق الإنسان"، وهو منظمة غير حكومية تأسست في بريطانيا وتعمل في مجال المناصرة من أجل السلام المستدام والديمقراطية في إيران والشرق الأوسط بشكل عام عبر تعزيز حقوق الإنسان، يعمل العديد من الناقلين عبر الحدود في التجارة المشروعة عبر الحدود ولا يشاركون في أنشطة غير قانونية.
في يونيو/حزيران 2023، أعلن أحد أعضاء لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني عن الانتهاء من مراجعة التشريعات العالقة، مع تعديلات مقترحة توسّع نطاق السلطات المرخص لها باستخدام الأسلحة النارية، وكذلك الظروف التي يمكنها القيام بذلك بموجبها. إذا أقِرَّت هذه التعديلات لتصبح قانونا، ستُعرِّض الناقلين لخطر أكبر.
أدى استخدام السلطات الإيرانية للقوة القاتلة ضد من يعبر الحدود إلى عواقب مميتة لمئات من هؤلاء العمال. أفادت "وكالة أنباء كردستان"، المعروفة بـ "كوردبا"، بمقتل 44 شخصا على الأقل وإصابة 463 آخرين ما بين 21 مارس/آذار 2023 و21 مارس/آذار 2024. وفقا لتقرير الوكالة، كانت القوى العسكرية مسؤولة عن أكثر من 80% من هؤلاء الضحايا وأن 28 على الأقل من الضحايا من الأطفال. في تقرير منفصل، قدمت كوردبا إحصائيات تشير إلى أنه من 2011 إلى 2024، قُتل وجُرح على الأقل 2,463 ناقلا من المناطق الكردية الإيرانية في كردستان وكرمنشاه وأذربيجان الغربية.
لا يزال وصول الناقلين عبر الحدود إلى سبل الانتصاف والعدالة محدودا جدا، مما يُفاقِم تهميشهم الاجتماعي والاقتصادي. رغم الاعتداءات المتكررة والقاتلة التي يواجهونها في كثير من الأحيان، اللجوء إلى القانون ضئيل جدا، كما أن مساءلة موظفي الدولة أمر نادر. يُعطي النظام القانوني الإيراني الأولوية للأمن القومي على الحقوق الفردية، مما يترك الضحايا دون حماية تُذكر بموجب القانون. كثيرا ما تُحبَط جهود تحقيق العدالة بسبب التحيزات المنهجية وانعدام الشفافية والسلطات التقديرية الواسعة الممنوحة لقوات الأمن.
تنص "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين" على عدم استخدام أسلحة نارية ضد الأفراد إلا في حالات الدفاع عن النفس، أو لدفع خطر محدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابة خطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تنطوي على تهديد خطير للأرواح، أو للقبض على شخص يمثل خطرا من هذا القبيل ويقاوم سلطتهم، أو لمنع فراره، وذلك فقط عندما تكون الوسائل الأقل تطرفا غير كافية لتحقيق هذه الأهداف. في جميع الأحوال، لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح.
ينبغي لـ"بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق"، وكذلك مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، مراقبة معاملة ناقلي البضائع عبر الحدود الأكراد في إيران والإبلاغ عنها.
قالت ناهيد نقشبندي: "بدلا من تمكين مزيد من القوة القاتلة ضد الناقلين عبر الحدود الأكراد، ينبغي للسلطات الإيرانية تقييد الاستخدام السافر للقوة القاتلة ضدهم، وضمان حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة، ومحاسبة القوات التي تهاجمهم بشكل غير قانوني على هذه الانتهاكات".
ناقلو البضائع عبر الحدود في المناطق الكردية
ينقل الكولبار، ومعظمهم أكراد، البضائع عبر الحدود بين إيران والعراق متجاوزين الجمارك، وعادة يكسبون المال على أساس وزن ونوع البضائع التي يحملونها. الكلمة الكردية "كولبار" مشتقة من "كول" وتعني الظهر و"بار" وتعني الناقل. غالبا يحملون حمولات يتراوح وزنها بين 25 إلى 50 كيلوغرام (55 إلى 110 رطل)، وأحيانا أثقل، على طول الطرق الجبلية التي يبلغ متوسط طولها نحو 10 كيلومتر، وتمتد بعض الطرق لمسافات أطول. كما يحمل عدد قليل منهم أحمالهم على الخيول والبغال. يختلف الدفع اعتمادا على عوامل مثل وزن الحمولة والطريق والظروف الاقتصادية.
ينقلون عادة السلع الاستهلاكية المتاحة للبيع بشكل قانوني. يشمل ذلك مجموعة مواد مثل الشاي والأغذية المعبأة والإلكترونيات والمنسوجات والأحذية والملابس وأدوات المطبخ ومنتجات الصحة والجمال والإطارات والهواتف الخلوية وأحيانا السجائر. قال ناقلو بضائع عبر الحدود لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يتجنبون المشروبات الكحولية عموما بسبب الحظر على استهلاك الكحول ونقلها، مما قد يؤدي إلى غرامات كبيرة أو السجن.
قال أكراد ينقلون البضائع عبر الحدود لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن الإيرانية كثيرا ما تطلق النار عليهم أو تعتدي عليهم دون إنذار مسبق، حتى عندما لا يحملون أي بضائع. قال رجل (31 عاما) من سردشت في محافظة أذربيجان الغربية إن قوات الأمن بدأت في يوليو/تموز 2018 بإطلاق النار عليه وعلى زملائه الناقلين من مسافة 10 متر (32.8 قدما) دون إنذار مسبق. أطلقت قوات الأمن النار عليه في العمود الفقري، مما أدى إلى إصابته بالشلل.
قال رجل (33 عاما) من منطقة هورامان الكائنة في محافظتي كردستان وكرمنشاه، إنه شهد إطلاق النار على ناقل أمامه وحاول المساعدة في نقله إلى المستشفى.
قال الرجل: "في خريف 2023، كان حوالي ألفَي ناقلا مجتمعين عندما هاجمتهم قوات الأمن فجأة". أطلقوا النار في الهواء، لدفعهم إلى الهروب، لكن كثيرين تمسكوا بالبضائع. عندما رأوا ذلك، بدأوا بإطلاق النار على الحشد. مع عدم وجود وسيلة للفرار، اتهمونا بتهريب الأسلحة، وهذا غير صحيح. أصيب شخص ما في أسفل الجبال برصاصة في ساقه. حاولنا مساعدته، لكن قوات الأمن منعتنا في البداية".
كما قُتل وأصيب العديد من الناقلين عبر الحدود بسبب الألغام الأرضية، والكثير منها من مخلفات الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988. مع ذلك، قال بعضهم إنهم يعتقدون أن بعض الألغام وُضعت مؤخرا حيث حدثت انفجارات على طول الطرق التي استخدموها سابقا، وكانوا يعتقدون أنها آمنة.
قال رجل (33 عاما) من بيرانشهر في محافظة أذربيجان الغربية إنه فقد ساقه بسبب انفجار لغم أرضي عندما كان عمره 30 عاما. قال الرجل إن العديد من أفراد عائلته كانوا أيضا من الناقلين عبر الحدود. أطلقت قوات الأمن أيضا النار على شقيقه، وقتلت ابن عمه.
كانت المحافظات التي تضم مجتمعات كردية كبيرة مثل كرمنشاه وكردستان من بين 10 محافظات ذات أعلى معدلات البطالة في العام الماضي، كما أفاد موقع "عصر إيران" الإخباري. يأتي العديد من الناقلين عبر الحدود من هذه المناطق. قال 11 منهم إنهم لجأوا إلى هذا العمل كملاذ أخير لأنهم لم يتمكنوا من العثور على أي فرص عمل أخرى وكانوا بحاجة إلى إعالة عائلاتهم. قال أربعة رجال إنهم بدأوا العمل كناقلين عبر الحدود عندما كانوا في سن 11 عاما.
قال رجل (36 عاما) من سردشت، في محافظة أذربيجان الغربية، إنه عندما كان في الثامنة من عمره، داس والده على لغم أرضي وتوفي أثناء عمله ناقلا عبر الحدود. بدأ الابن بتأدية العمل نفسه في سن الحادية عشرة للمساعدة في تغطية نفقات العائلة.
قال بعض الأشخاص إنهم يؤدون هذا العمل لأن الوظائف الأخرى المتاحة تقدم أجورا منخفضة بشكل غير مستدام. قال رجل (33 عاما) من هورامان إنه رغم حيازته لشهادة البكالوريوس، لم يتمكن من الحصول على وظيفة حكومية مستقرة. كان أجر وظائف القطاع الخاص التي وجدها منخفضا جدا لدرجة أنه بالكاد يستطيع تحمل تكاليف إيجاره. بدأ العمل كناقل لتغطية إيجاره وإعالة نفسه وزوجته.
استخدام قوات الأمن للقوة القاتلة
وصف 12 شخصا قابلتهم هيومن رايتس ووتش حوادث أطلقت فيها قوات الأمن الإيرانية النار على الناقلين، وعادة دون إنذار مسبق. وصف اثنان مقتل أقاربهما. قال أحدهم إن صهره (30 عاما)، قُتل بالرصاص في أكتوبر/تشرين الأول 2022. الرجل، الذي كان لديه طفل عمره 10 سنوات، هو الزوج الثاني لشقيقة الشخص الذي أجريت معه المقابلة، والتي توفي زوجها الأول أيضا أثناء عمله في النقل عبر الحدود قبل عقد من الزمن. قال الرجل:
ذهب صهري وأصدقاؤه، الذين عانوا البطالة، إلى كردستان العراق لجلب بضائع للبيع في إيران. مع ذلك، تركهم إغلاق الحدود الإيرانية عالقين في إقليم كردستان العراق 10 أيام تقريبا. لدى محاولتهم العودة، أطلقت القوات الإيرانية النار على صهري في الجبال حوالي الساعة 1 صباحا... وعندما استلمنا الجثة... قال الطبيب إنه أصيب برصاصة كلاشينكوف اخترقت ساقه اليسرى وتسببت بنزيف حاد.
قال رجل (33 عاما) إنه في خريف 2023، أصيب برصاص قوات الأمن في ظهره، مما أدى إلى إصابة عموده الفقري، بينما كان يحمل مستحضرات التجميل ومستلزمات النظافة. قال إنه واجه مشاكل خطيرة تتعلق بالصحة العقلية بعد إطلاق النار، بما فيه محاولة الانتحار ثلاث مرات. قبل شهر، أطلقت عليه قوات الأمن الخرطوش على ظهره، مما أدى، إلى إصابته بالالتهابات، كما قال.
أطلقت قوات الأمن الإيرانية النار على رجل (40 عاما) من أوشنوية بمحافظة أذربيجان الغربية في فبراير/شباط 2017، مما أدى إلى إصابته بالعمى. قال الرجل:
كانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي عملت فيها ككولبار. قررت الخروج للضرورة في ذلك الوقت. كان الوقت مساء عندما رأينا أشخاصا ينزلون من الحدود... لم أكن أعلم أنهم من حرس الحدود الذين جاءوا سيرا على الأقدام... عندما أدركت أنهم جنود، كان رأسي متجها نحوهم، وكانوا يطلقون الرصاص نحوي. أصابتني إحدى الرصاصات مباشرة في رأسي، فأصابت عيني اليسرى، ثم أصابت عيني اليمنى، ففقدت كلتا عيني.
أصيب رجل (36 عاما) من سردشت برصاصة في ظهره في يناير/كانون الثاني 2014، مما أدى إلى إصابة الحبل الشوكي والإعاقة الدائمة. قال الرجل إنه كان يحمل بضائع مع بغاله عندما بدأت قوات الأمن بإطلاق النار. قُتلت بغاله، وشاهد رجلا آخر كان يرافقه قتلت قوات الأمن بغاله ثم حرقتها.
قال رجل (25 عاما) إنه عندما كان عمره 16 أو 17 عاما، أطلقت قوات الأمن النار عليه على حدود نوسود، في محافظو كرمانشاه:
تطلق شرطة الحدود الإيرانية النار علينا دائما. أُصِبت في ركبتي عدة مرات، والآن لدي ثلاث رصاصات في وتر ركبتي اليمنى تؤثر على توازني. في المرة الأولى التي واجهت فيها إطلاق نار، كان عمري 16 أو 17 عاما فقط. في البداية، أصابني الخوف بالشلل، إنه شعور غريب عندما ترى شخصا يستهدفك مباشرة…. وأثناء هروبي، سقطت من صخرة يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار وانتهى الأمر بكسر ركبتي.
قال رجل (41 عاما) من أوشنوية في محافظة أذربيجان الغربية إن قوات الأمن أطلقت عليه النار في رأسه في فبراير/شباط 2017، مما أدى إلى إصابته بالعمى في كلتا عينيه. قال رجل (32 عاما) من سردشت إن قوات الأمن نصبت كمينا له ولرفاقه الناقلين عبر الحدود في ديسمبر/كانون الأول 2013، مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة وفقدان ثمانية خيول:
أطلقت [قوات الأمن الإيرانية] النار كما لو كانت في ساحة معركة، فأصابتني رصاصة في بطني. سقطتُ من على حصاني، واقتربوا مني وضربوني وأهانوني وأنا أنزف رغم توسلاتي. صوَّب أحدهم مسدسه نحو رأسي، تماما كما لو كان إعداما عن قرب. نجوت بأعجوبة. بعد نقلي إلى عدة مستشفيات، قال الأطباء إنني لن أنجو. أمضيت نحو عام في غيبوبة وفقدت بصري وأجرِيت لي عملية جراحية في المعدة بسبب الرصاصة التي مزقت الأمعاء الغليظة في خمسة أماكن.
تهديد الألغام الأرضية القاتل
يعاني عديد من الناقلين عبر الحدود من إصابات خطيرة بسبب الألغام الأرضية، بما فيه فقدان الأطراف. زُرعت كثير من الألغام الأرضية خلال الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988، لكن بعض الناقلين يعتقدون أن قوات الأمن الإيرانية زرعت مؤخرا ألغاما على طول طرقهم. إيران ليست من بين 164 دولة صادقت على "معاهدة حظر الألغام لعام 1997" التي تحظر بشكل شامل الألغام الأرضية المضادة للأفراد وتتطلب إزالة الألغام وتدمير المخزونات ومساعدة الضحايا.
فقد رجل (33 عاما) من بيرانشهر ساقه بسبب انفجار لغم أرضي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. قال الرجل:
مررت بالطريق الذي سلكته عدة مرات من قبل خلال عملي ككولبار، وكنت أعرف الطريق جيدا. حتى قبل ثلاث ليال فقط، كنت هناك، ولم تكن هناك ألغام. لم يكن هناك أي ألغام من قبل. لكن في اليوم الذي ذهبنا فيه، كانت هناك ألغام. هذا يدل على أنهم قبل ليلة أو ليلتين فقط، زرعوا ألغاما هناك، مع علمهم أنه الطريق الذي يستخدمه الكولبار. سافرنا عبر هذه الطرق مرات عديدة، ونعرف أماكن الألغام القديمة ونمر بأماكن نحن متأكدون من وجودها، لكنهم يزرعون ألغاما جديدة.
في 2022، طلب مكتب محامين إيرانيين محليين في رسالة إلى حاكم محافظة أذربيجان الغربية معالجة مشكلة الألغام الأرضية، قائلا:
إيذاء المواطنين المتكرر والعشوائي بسبب الألغام الأرضية يؤكد الطبيعة واسعة النطاق وغير الآمنة للمناطق المتضررة من الألغام. هناك حاجة ملحة لتواصل مكثف ومستمر مع وزارة الدفاع وقيادة إزالة الألغام... بالإضافة إلى أن استخدام الألغام الأرضية في بعض المناطق الحدودية، حيث من المتوقع عبور الكولبار، يتطلب من المحافظة معالجة الموضوع بجدية مع الجهات المعنية.
كثيرا ما تؤدي الإصابات إلى فقدان سبل العيش. من دون إعانات اجتماعية أو إعانات البطالة في إيران، الأمل الوحيد للناقلين عبر الحدود المصابين هو الاعتراف بهم كمحاربين قدامى من ذوي الإعاقة والحصول على إعانات العجز.
وفقا لقناة "بي بي سي الفارسية"، السلطة الإيرانية الوحيدة التي تعالج وضع ضحايا الألغام الأرضية هي "لجان المادة 2" المتمركزة في المحافظات، والتي تتألف من ثمانية أعضاء من بينهم ممثلون عن الوكالات العسكرية والأمنية، و "مؤسسة شؤون الشهداء والمحاربين القدامى"، الإيرانية. تتلقى المؤسسة تمويلها مباشرة من الميزانية الوطنية التي تقدم قروضا سكنية للمحاربين القدامى ذوي الإعاقة ولعائلات الجنود الذين قتلوا أثناء القتال.
لا يوجد ممثلون عن الضحايا في هذه اللجان، التي تُشكَّل على مستوى المحافظة حيث تقع الحوادث، لمراجعة الأدلة التي قدمها الضحية وتحديد ما إذا كان مؤهلا باعتباره شهيدا (جنود قتلوا أثناء القتال) أو محاربا قديما من ذوي الإعاقة. إذا اعترفت لجان المادة 2 بالفرد باعتباره من المحاربين القدامى ذوي الإعاقة، توفر مؤسسة شؤون الشهداء والمحاربين القدامى له معاشا تقاعديا. بخلاف ذلك، يتلقون الدعم من منظمات الرعاية الاجتماعية الأخرى مثل لجان الإغاثة وهي منظمات خيرية إيرانية تقدم الدعم للعائلات الفقيرة أو منظمة رعاية الدولة الإيرانية المعروفة أيضا بـ "بهزستي".
يؤكد المحامون والنشطاء المدنيون أن لجان المادة 2 غالبا لا تعترف بالناقلين عبر الحدود باعتبارهم من ذوي الإعاقة لأسباب مختلفة، تشمل الدوس على الألغام أثناء العبور إلى الأراضي العراقية، أو المشاركة في عبور الحدود بشكل غير قانوني، أو تورط أقارب في الجماعات الكردية المناهضة للحكومة، أو تهريب الكحول من العراق.
عدم الوصول إلى سبل الانتصاف والعدالة
راجعت هيومن رايتس ووتش وثائق المحكمة لخمسة أشخاص أصابتهم قوات الأمن. تكشف مراجعة المستندات القانونية أن الشكاوى التي يقدمها الأشخاص الذين أصيبوا بالرصاص غالبا تُرفض بموجب البند 9 من المادة 3 من قانون استخدام قوات الأمن للسلاح. مع ذلك، قال الأشخاص الذين قابلناهم وحصلوا على تعويضات من السلطات إنها لم تُدفع أو لم تُدفع بالكامل.
في 2022، نظرت محكمة التحقيق التابعة لمكتب المدعي العام العسكري في أذربيجان الغربية في قضية تشمل إطلاق نار مخالف للأنظمة. في 2021، أطلق أفراد من دورية الحدود النار على ناقلين عبر الحدود في "المنطقة المحايدة" على الحدود، مما أدى إلى مقتل شخص. استنادا إلى المادة 265 من قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2013، أصدرت السلطات أمرا بعدم ملاحقة مطلق النار.
قدَّم رجل (41 عاما) أصيب بالرصاص وفقد عينيه أثناء عمله ناقلا عبر الحدود في 2017، وثائق المحكمة الخاصة به لـ هيومن رايتس ووتش. حسب إجراءات عام 2020، أصدرت المحكمة العسكرية في أذربيجان الغربية أمرا بعدم ملاحقة المتهمين. في النهاية، أمرت المحكمة حرس الحدود بدفع الدية، لكنه قال إنه لم يتلق أي تعويض حتى الآن.
في مايو/أيار 2022، حكمت محكمة عسكرية في محافظة أذربيجان الغربية على عنصر في دورية حدود بدفع الدية كاملة وغرامة قدرها 30 مليون ريال إيراني (نحو 100 دولار أمريكي آنذاك) كبديل عن السجن بعد أن قضت بأنه قتل غير عمد لناصر إبراهيم زاده، الذي كان في مركبة قرب الحدود.
في 2018، نظرت محكمة عسكرية في أذربيجان الغربية بقضية إطلاق حرس الحدود في أذربيجان الغربية أكثر من 100 رصاصة كلاشينكوف على ناقلين عبر الحدود، مما أدى إلى إصابة رجل في كتفه الأيمن عام 2017. صدر حكم أيضا بالدية.
راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا وثائق المحكمة الخاصة برجل أصيب في حادث لغم أرضي. في هذه القضية، لم يتم تعويضه، وأدانته المحكمة بتهمة عبور الحدود بشكل غير قانوني.
تلقى رجل (33 عاما)، فقد ساقه عام 2020 بسبب انفجار لغم أثناء عمله كناقل عبر الحدود العلاج الطبي في إقليم كردستان العراق وعاد إلى إيران. استدعاه مكتب المدعي العام الثوري في أذربيجان الغربية بتهمة عبور الحدود بشكل غير قانوني. في النهاية، أطلقت محكمة الاستئناف سراحه، لكنها صادرت جواز سفره، ومنعته من السفر.
في 2022، تناول مكتب محامين إيرانيين محليين مراجعة القضايا التي لم تُحل لضحايا الألغام الأرضية في رسالة موجهة إلى حاكم مقاطعة أذربيجان الغربية. استشهد المحامون بأكثر من 400 قضية لم تُحل، يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 25 عاما، وعُرضت على مكتب المحافظ دون تلقي أي رد.
قال المحامون إنه بسبب عدم إزالة الحكومة للألغام الأرضية، فهي تتحمل مسؤولية دعم الضحايا وتعويضهم. تشير الإحصائيات الحالية إلى أن مكتب المحافظ لم يعقد اجتماعات للجنة بما يتناسب مع عدد الحالات.