(نيويورك) -- قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا لم تستأنفا بعد التمويل الضروري لـ "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (الأونروا). يتعين على الحكومتين التحرك فورا لإعادة دعمهما للوكالة، أكبر منظمة إغاثة في غزة.
في 12 يوليو/تموز 2024، أقرّت الولايات المتحدة وبريطانيا مجموعة التزامات مشتركة، بالإضافة إلى 116 حكومة أخرى تعترف بـ "الوضع المالي الحرج جدا" الذي تواجهه الأونروا و"تعترف بالمخاطر الإنسانية والسياسية والأمنية الجسيمة التي قد تنجم عن أي انقطاع أو تعليق لعملها الحيوي. لكن لم تتراجع الدولتان عن قرارهما الذي اتخذتاه في يناير/كانون الثاني بوقف التمويل.
قالت أكشايا كومار، مديرة المناصرة لشؤون الأزمات في هيومن رايتس ووتش: "أصبحت الولايات المتحدة وبريطانيا الآن منفردتين بشكل مخز، حيث استأنف معظم المانحين تمويل الأونروا. لم يكن قطع المساعدات متناسبا مع الادعاءات ضد الأونروا منذ البداية. يواجه الفلسطينيون في غزة انعداما كارثيا في الأمن الغذائي، ونقصا هائلا في الإمدادات الطبية، ونزوحا متكررا، وليس هناك بديل لشبكات الأونروا وخبرتها وقدرتها على تقديم الإغاثة".
استند قطع المساعدات إلى مزاعم السلطات الإسرائيلية بأن 19 شخصا، من بين 30 ألف موظف في الأونروا، شاركوا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في إسرائيل الذي وجدت هيومن رايتس ووتش أنه شمل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ذكرت مراجعة مستقلة صدرت في 20 أبريل/نيسان، وتحديث منشور عن التحقيقات الجارية من قبل المحققين الداخليين التابعين لـ"الأمم المتحدة"، أنهم لم يعثروا على أدلة، أو لم تزودهما السلطات الإسرائيلية بالأدلة، لدعم الادعاءات الرئيسية.
هُجّر 90% من سكان غزة أو أجبروا على الفرار من منازلهم، وكثير منهم بشكل متكرر، ومن المتوقع أن يواجه 96% منهم أزمة أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي بحلول سبتمبر/أيلول.
حسب "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا)، تواجه النساء الحوامل في غزة صعوبة متزايدة في الحصول على الرعاية الضرورية التي يحتجن إليها، وتُجرى بعض عمليات الولادة الطارئة في الخيام دون دعم طبي. تتوفر الرعاية الشاملة الطارئة للتوليد وحديثي الولادة في 11 منشأة فقط، حيث يؤدي النقص الحاد في الوقود إلى إعاقة عمل الحاضنات وغيرها من المعدات.
في بيان صدر في 14 يوليو/تموز، وصف مسؤول في الأونروا الظروف في مستشفى ناصر، حيث "تلقى العديد من المرضى العلاج على أرضية المستشفى دون وجود مطهرات"، مع "الافتقار إلى الأسرّة الكافية ومعدات النظافة والأغطية والملابس الطبية"، ورأى "أطفالا صغارا مبتوري الأطراف، وأطفالا مشلولين ومحرومين من إمكانية تلقي العلاج الطبي، وآخرين منفصلين عن ذويهم".
قال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أمام مؤتمر التعهدات في الأمم المتحدة إن الأونروا لا تزال تواجه أزمة مالية وأن "قدرة الوكالة على العمل بعد شهر سبتمبر/أيلول تعتمد على تقديم الدول الأعضاء التمويل المخطط له وتقديم مساهمات جديدة في الميزانية الأساسية". تعتمد الأونروا أساسا على التبرعات الفردية المقدمة من الحكومات لتمويل عملها في سوريا ولبنان والأردن وغزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. المساهمات التي تقدمها الحكومات للأونروا هي طوعية وحسب تقدير الحكومات.
في يناير/كانون الثاني، أنهت الأونروا فورا عقود 10 من موظفيها المزعوم تورطهم في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. توفي اثنان آخران قبل الإعلان عن الاتهامات. فتح "مكتب خدمات الرقابة الداخلية"، مكتب التحقيق الداخلي للأمم المتحدة، تحقيقات مع جميع موظفي الأونروا الـ 12 الذين حُدِّدوا في البداية ثم أضاف فيما بعد 7 آخرين، لكنه علّق التحقيقات في 4 حالات لعدم كفاية الأدلة، وأغلق قضية واحدة لأن إسرائيل لم تقدم أي أدلة داعمة. لا تزال التحقيقات جارية في القضايا الأخرى.
بشكل منفصل، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة لجنة مستقلة برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا لتقييم حياد الأونروا. أصدرت اللجنة علنا تقريرها الذي يتضمن 50 توصية في أبريل/نيسان، ومنذ ذلك الحين شكلت الأونروا فريق عمل داخلي للإشراف على تنفيذ التوصيات.
ردا على مزاعم إسرائيل في يناير/كانون الثاني، قالت الأونروا إن 16 دولة علقت تبرعاتها للوكالة وأشارت دول أخرى إلى أنها ستضع شروطا لمزيد من التمويل. استأنفت معظمها، بما فيها أستراليا والنمسا وكندا وإستونيا وفنلندا وألمانيا وأيسلندا وإيطاليا واليابان ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا والسويد، الدعم منذ ذلك الحين.
لم يعلّق مانحون آخرون، بمن فيهم فرنسا والدنمارك وسويسرا ونيوزيلندا و "الاتحاد الأوروبي"، تبرعاتهم مطلقا، وبدلا من ذلك قدّموا الأموال التي كانوا يخططون سابقا لمنحها للأونروا مع مرور الوقت، مع الاحتفاظ ببعض الباقي في شرائح خاضعة لشروط معينة. قدمت هولندا بالفعل مساهمتها السنوية للأونروا قبل ظهور هذه الادعاءات في يناير/كانون الثاني، لكنها أعلنت أنها ستوقف مزيد من التمويل. في يونيو/حزيران، خصصت هولندا وأبدت استعدادها لتقديم مزيد من التمويل أثناء تنفيذ الأونروا توصيات اللجنة المستقلة.
في أوائل مارس/آذار، قدمت الأونروا إلى الاتحاد الأوروبي "تأكيدا كتابيا" بأنها "ستنفذ الشروط والتدابير المتفق عليها"، بما فيه التدقيق، وتعزيز الضوابط الداخلية، وفحص الموظفين.
لم تقطع حكومات، من ضمنها حكومات بلجيكا وأيرلندا ولوكسمبورغ والنرويج وسلوفينيا، التمويل أو أبطأته، ودعت الآخرين إلى الحفاظ على تدفق الأموال، في حين زادت دول أخرى مثل العراق وقطر وإسبانيا تبرعاتها مع تدهور الوضع الإنساني في غزة.
تاريخيا، كانت الولايات المتحدة أكبر مانح للأونروا، حيث قدمت ثلث ميزانية الوكالة عام 2023. بعد إعلان إدارة بايدن في أواخر يناير/كانون الثاني أنها ستوقف المدفوعات مؤقتا، أصدر الكونغرس الأمريكي قانونا يحظر أي تمويل إضافي للأونروا حتى مارس/آذار 2025، على الأقل. قال مسؤولون في إدارة بايدن لـ هيومن رايتس ووتش إنها حولت الأموال المخصصة للأونروا إلى وكالات مساعدات أخرى لاستخدامها في غزة.
لم تعلن حكومة "حزب العمال" المنتخبة حديثا في بريطانيا بعد عن تغيير في سياستها، مما يترك تعليق الحكومة السابقة لدعم الأونروا قائما. أثناء وجودهم في المعارضة، انتقد ديفيد لامي، وزير الخارجية الحالي، وغيره من كبار أعضاء حزب العمال، حكومة المحافظين علنا بسبب قرارها الذي اتخذته في يناير/كانون الثاني بقطع المساعدات عن الأونروا، وحثوها على إعادة التمويل. أشار لامي في 15 يوليو/تموز إلى أنه سيدلي ببيان أمام البرلمان في "الأيام المقبلة" بشأن الأونروا.
قال فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، إن الوكالة واجهت أيضا حملة متواصلة من تشويه السمعة الاعتداءات القانونية والجسدية من قبل السلطات الإسرائيلية. في 31 يناير/كانون الثاني، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوفد من سفراء الأمم المتحدة إن "مهمة الأونروا يجب أن تنتهي"، في حين أوضح وزير الخارجية يسرائيل غاتس نيته بأن الأونروا "لن تكون جزء من اليوم التالي". في فبراير/شباط، منع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تسليم شحنة من الدقيق الممولة من الولايات المتحدة إلى الأونروا، وفرض تسليمها عبر "برنامج الأغذية العالمي".
تسعى السلطات الإسرائيلية أيضا إلى إلغاء الإعفاءات الضريبية التي تحصل عليها الأونروا، واتخذت خطوات لإغلاق مكاتب الأونروا الموجودة في ممتلكات الدولة الإسرائيلية، والحد من مدة التأشيرات لموظفي الأونروا الدوليين، ورفض تأشيرات الدخول للموظفين.
وثّقت هيومن رايتس ووتش ضربتين استهدفتا عمال الإغاثة في الأونروا الذين أبلغوا إسرائيل بإحداثياتهم الدقيقة عبر نظام تحديد المواقع العالمي لحمايتهم المفترضة، إحداهما استهدفت بيت ضيافة في ديسمبر/كانون الأول 2023 والأخرى قافلة في فبراير/شباط 2024.
قالت كومار: "باستمرارهما في منع التمويل، تفاقم الولايات المتحدة وبريطانيا آثار حملة الحكومة الإسرائيلية ضد الأونروا والأشخاص الذين يعتمدون على الوكالة. تقول هذه الحكومات إنها تشعر بالقلق إزاء سكان غزة الذين يتضورون جوعا، لكنهم يجوّعون الوكالة التي هي في أفضل وضع يمكنها من إطعامهم".