لا يزال تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي مستمرا في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يعرّض الأشخاص الذين يعرّفون/يعرّفن أنفسهم/هنّ على أنهم/هنّ مثليون/ات، ومزدوجو/ات التوجه الجنسي، وعابرو/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين) لمروحة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان. بعض البلدان ليس لديها قوانين تستهدف صراحة الأشخاص ذوي/ذوات التوجهات الجنسية المتنوعة، لكن هذا لا يعني أنهم/هن يعيشون/ن في أمان ومساواة.
النضال من أجل إلغاء القوانين التي تجرّم العلاقات الجنسية المثلية، وضمان المساواة للجميع قد يغفل عن ممارسات قمعية أخرى تستخدمها الدول لمضايقة وملاحقة أفراد مجتمع الميم-عين "ضمن القانون". ثمة ديناميكية قانونية معقدة بين التجريم وإلغاء التجريم، تحديدا في حالات مصر والأردن والكويت.
هناك أساليب قانونية بديلة، مثل القوانين المتعلقة بالأداب العامة والفجور، تُستخدم كأدوات لملاحقة وترهيب مجتمع الميم-عين. في مصر، العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي ليست مجرَّمة صراحة، إلا أن القوانين ذات الصياغة المبهمة المتعلقة بالآداب العامة توفّر ذريعة للمعاملة التمييزية. مثلا، تُعاقب المادة 178 من قانون العقوبات المصري صُنع أو ترويج مواد تُعتبر منافية للآداب العامة، ما يؤدي إلى الاستهداف الظالم لأفراد مجتمع الميم-عين.
في 2017، اعتُقلت الكاتبة والناشطة المصرية سارة حجازي مع آخرين بعد رفع علم قوس قزح في حفل موسيقي في القاهرة. اتُّهمت سارة بالفجور و"التحريض على الفسق"، وبعد الإفراج عنها ذهبت للعيش في المنفى في كندا. أنهت سارة حياتها في 2020 بعد معاناة مع الأثر النفسي والعاطفي بسبب الاعتداء عليها في الحجز.
في الأردن، حيث أُلغي تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي منذ 1951، يجعل غياب الحماية القانونية الفعالة أفراد مجتمع الميم-عين ضعفاء أمام التمييز الذي تجيزه الدولة. تستخدم القوى الأمنية قوانين الآداب الغامضة وأساليب الاستهداف الرقمي من أجل استهدافهم/هن ومضايقتهم/هن.
المادة 320 من قانون العقوبات الأردني، التي تعاقب الأفعال المنافية للحياء في الأماكن العامة، تفتح المجال للتأويلات غير الموضوعية، بينما يتعدى قانون الجرائم الإلكترونية الأردني الجديد على الخصوصية وحرية التعبير، ما يخلق أساليب جديدة لمضايقة أفراد مجتمع الميم-عين أو حتى ملاحقتهم/هن. يمكن استخدام المواد المبهمة في القانون المتعلقة بالحث على الدعارة والترويج لها والسلوك الجنسي، والحض على الفجور، لتبرير ملاحقة أفراد مجتمع الميم-عين بشكل خاص.
مثلا، أوقعت القوى الأمنية في الأردن بامرأة عابرة جنسيا (ترانس) في 2019، وفتّشت هاتفها، واحتجزتها احتياطيا بسبب صورها الشخصية. وبعد خضوعها لثماني جلسات محاكمة، أُطلِق سراحها بكفالة.
في الكويت، أُلغيت في فبراير/شباط 2020 المادة 198 من قانون العقوبات، التي كانت تجرّم في السابق الهوية الجندرية غير معيارية ، ما يؤشر إلى تطور في حقوق الترانس والأشخاص غير المقيدين بالثنائية الجندرية. لكن الأفعال اللاحقة، مثل عمليات الترحيل الجماعي بذريعة الإجراءات "الأمنية"، تسلط الضوء على التهديدات المستمرة لأفراد مجتمع الميم-عين. كما أن مواد قانون الاتصالات الكويتي، لا سيما المادة 70، تنطوي على تهديدات إضافية لحرية التعبير والخصوصية، ما من شأنه مفاقمة هشاشة وضع أفراد مجتمع الميم-عين.
لا يزال تجريم العلاقات الجنسية المثلية عقبة قانونية، ليس فقط أمام ضمان الوصول المتساوي للجميع إلى العدالة، إنما أمام الاعتراف بالاستقلالية الشخصية والجنسية واحترامها. تفرض عواقب التجريم تحديات متعددة أمام ضمان حقوق الإنسان العالمية، مثل الحق في حرية التعبير والتجمع لأفراد مجتمع الميم-عين، بالإضافة إلى أنها تسمح باستمرار التحيز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية والتعبير الجندري.
من جهة أخرى، بينما يدعو نشطاء وناشطات مجتمع الميم-عين، والمدافعون/ات الحقوقيون/ات الدول إلى إلغاء تجريم العلاقات الجنسية المثلية والقوانين القمعية والتمييزية بطبيعتها، من المهم للغاية إدراك أن إلغاء التجريم مجرد إجراء قانوني، إن لم ترافقه تدابير واضحة وفعالة لحماية المتأثرين وتقديم سبل الانتصاف القانوني إليهم، قد يبقى أفراد مجتمع الميم-عين معرضين/ات للتهميش والملاحقة.
يُعتبر إلغاء التجريم ممارسة أساسية للحماية وخطوة كبيرة نحو تأكيد حقوق أفراد مجتمع الميم-عين، إلا أن مجرد غياب القوانين العقابية ليس كافيا لضمان مساواة وحماية فعليتين. تؤدي الثغرات في التنفيذ وسوء استخدام الأطر القانونية الموجودة إلى استمرار تعرض الأشخاص للتمييز والعنف. من الضروري إقرار قوانين إيجابية تحمي صراحةً ضد هكذا اعتداءات، من أجل بناء مجتمع حيث يُعامَل فيه مجتمع الميم-عين بمساواة.
ينبغي أن يتضمن إلغاء تجريم العلاقات الجنسية المثلية جميع التدابير التشريعية الضرورية، التي لا تمنع التحيز والتمييز فقط، إنما تضمن المحاسبة والعدالة والحماية من الأذى والمعاملة غير الإنسانية.
التقدم الحقيقي لا يكمن في إلغاء التجريم فحسب، بل عبر إنشاء تدابير حماية قانونية شاملة، تحمي تنوّع التوجهات الجنسية والهويات الجندرية، يقودها احترام حقيقي لحقوق الإنسان وكرامته.
هذه المقالة جزء من سلسلة تُنشر في الذكرى العشرين لإطلاق برنامج حقوق مجتمع الميم-عين في هيومن رايتس ووتش. تستكشف المقالات التحديات متعددة الأوجه التي يواجهها أفراد مجتمع الميم-عين حول العالم. يمكنكم إيجادها على هذا الرابط.