(لندن، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018) – قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير نشرته اليوم إن الحكومة الباكستانية لا تفي بتعليم جزء كبير من فتيات البلد.
يخلُص تقرير "´هل أُطعم ابنتي أم أعلمها؟´ الحواجز أمام تعليم الفتيات في باكستان"، الصادر في 111 صفحة، إلى أن العديد من الفتيات لا يحصلن على التعليم. من أسباب ذلك، النقص في المدارس الحكومية – تحديدا المدارس المخصصة للفتيات. في بلد عدد سكانه نحو 200 مليون نسمة، هناك 22,5 مليون طفل تقريبا، أغلبهم من الفتيات، لا يذهبون إلى المدرسة. 32 بالمئة من الفتيات بعمر الدراسة في باكستان لا يذهبن إلى المدرسة مقابل 21 بالمئة من الصبيان. وفي الصف التاسع، 13 بالمئة من الفتيات فقط يذهبن إلى المدرسة.
قالت ليزل غرنهولتز، مديرة قسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: "عدم توفير الحكومة الباكستانية التعليم للأطفال يؤثر سلبا على ملايين الفتيات. فالعديد من الفتيات اللاتي قابلناهن أبدين رغبة كبيرة في الدراسة، غير أنهن يكبرن بدون التعليم الذي من شأنه مساعدتهن على تأمين فرص المستقبل".
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 209 أشخاص من أجل التقرير – أغلبها مع فتيات لم يذهبن قط إلى المدرسة أو لم يتمكنّ من متابعة تعليمهن ومع أسرهنّ – في أقاليم باكستان الأربعة كافة: بلوشستان، خيبر بختونخوا، بنجاب، والسند. كما قابلت الأهل ومعلمين وخبراء وناشطين، وزارت المدارس.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن من العوامل التي تُبعد الفتيات عن المدارس ضعف استثمار الحكومة في المدارس، النقص في عدد المدارس، ارتفاع الرسوم والتكاليف المدرسية، العقاب الجسدي، وعدم فرض التعليم الإجباري. كما وجدت أن مستوى المدارس الحكومية والمدارس الخاصة المنخفضة الكلفة متدنٍ، في ظل غياب التنظيم الحكومي للمدارس الخاصة، والفساد.
بالإضافة إلى هذه العوامل الخاصة بالنظام التعليمي، ثمة عوامل خارجية تمنع الفتيات من ارتياد المدارس. منها: عمالة الأطفال، التمييز الجندري، تزويج الأطفال، الاعتداء الجنسي، انعدام الأمان، والهجمات على التعليم.
تستثمر الحكومة الباكستانية بشكل ثابت في التعليم أقل بكثير مما توصي به المعايير الدولية. ففي 2017، صرفت أقل من 2.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم – أقل بكثير من الـ 4 إلى 6 بالمئة التي توصي بها المعايير الدولية – ما يجعل النظام التعليمي يعاني من نقص حاد في التمويل. والمدارس الحكومية قليلة، لدرجة أنه حتى في أكبر المدن الباكستانية لا يتمكن العديد من الأطفال من الوصول إلى المدرسة سيرا على الأقدام بأمان وفي فترة زمنية معقولة. ويزيد الوضع سوءا في المناطق الريفية. كما أنه توجد مدارس للصبيان أكثر من مدارس الفتيات.
عائشة (30 عاما) تعيش مع زوجها وأطفالها الستة في منطقة بيشاور حيث تبعد أقرب مدرسة حكومية تؤمن التعليم من صف الحضانة حتى الصف العاشر للصبيان أقل من 5 دقائق سيرا على الأقدام. أما أقرب مدرسة للفتيات فتبعد نحو 30 دقيقة سيرا على الأقدام وتؤمن التعليم حتى الصف الخامس فقط. تركت ابنة عائشة المدرسة بسن التاسعة بسبب خوف أهلها على سلامتها على الطريق إلى المدرسة.
قالت غرنهولتز: "حتى الأهل غير المتعلمين يدركون أن مستقبل بناتهم يعتمد على تعليمهن، غير أن الحكومة تتخلى عن هذه الأسر. يعتمد مستقبل باكستان على تعليم أطفالها، الفتيات ضمنا".
وتقلّ فرص الوصول إلى التعليم مع تقدم الأطفال بالعمر، تحديدا الفتيات. فالمدارس الثانوية أقل من الابتدائية والجامعات تتسع لعدد أقل من الطلاب، خاصة للفتيات. العديد من الفتيات اللاتي ينهين أعلى مرحلة في مدارسهن لا يمكنهن الوصول إلى مدرسة تؤمن المستوى التالي. وفي غياب نظام مدارس حكومية لائق، ازداد عدد المدارس الخاصة بشكل لافت، وأغلبها منخفضة الكلفة. غير أن الأسر الفقيرة لا يمكنها بالعادة تحمّل أي رسوم، بالإضافة إلى أن شبه انعدام تنظيم الحكومة لهذه المدارس يعني أن غالبيتها ذات مستوى متدنٍ.
يَعِدُ بيان الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء عمران خان، المنتخب مؤخرا، بإصلاحات كبيرة في النظام التعليمي، بما في ذلك تعليم الفتيات. وَيَرِدُ فيه: "سنُولي الأولوية لإنشاء وتحسين مدارس الفتيات وسنقدم رواتب للفتيات والنساء اللاتي يكملن تعليمهن". كما يتعهد "بوضع برنامج تعليمي هو الأكثر طموحا في تاريخ باكستان يشمل التعليم الابتدائي والثانوي والتعليم العالي والمهني والتعليم الخاص [لذوي الاحتياجات الخاصة]".
قالت غرنتهولز: "تعترف الحكومة بالحاجة الملحة إلى إصلاح النظام التعليمي وتعد بأن توليها الأولوية، تحديدا للفتيات – وهذه خطوة إيجابية. نأمل أن تساعد نتائجنا الحكومة في تحديد المشاكل وإيجاد حلول لها تعطي لكل فتاة باكستانية مستقبلا مشرقا".
مقتطفات من المقابلات:
قلة الاستثمارات ونقص المدارس الحكومية
" لو كانت هناك مدرسة حكومية لأرسلتهم إليها".
— عكيفة (28 عاما)، أم لثلاثة أطفال، 10 و8 و7 سنوات. انتقلت الأسرة من قرية بالقرب من ملتان إلى كراتشي قبل 3 سنوات بحثا عن العمل، واضطرت إلى الاستقرار في منطقة حيث توجد مدراس خاصة لا يمكنها تحمّل تكاليفها، دون أن يكون هناك أي مدرسة حكومية قريبة.
"قال لي أهلي ’إن كنتِ مهتمة فعلا يمكنك الذهاب سيرا على الأقدام‘. جميع الذين أرادوا الذهاب ذهبوا. أما أنا فقد وجدت المسافة بعيدة. الطريق موحشة ومنعزلة، كما حصلتْ بعض حالات الخطف في تلك المنطقة... لكنني كنت مدركة لحاجتي إلى التعليم فأقنعت أهلي ووجدت بعض الأصدقاء وصرنا نذهب معا".
— أصيفة (20 عاما)، بنجاب، التي انتظرت حتى سن 9 أو 10 أعوام لتذهب إلى المدرسة لأنها كانت تبعد 45 دقيقة سيرا من قريتها. كانت المدرسة تؤمن التعليم حتى الصف الثامن فقط، لذا انتقلت لاحقا للعيش مع أختها في مدينة تضم مدرسة تؤمن التعليم للصفين التاسع والعاشر.
"لم تأخذ الدولة التعليم على محمل الجد يوما – لم تؤمَّن الموارد اللازمة في أي من الولايات. المشكلة تكمن في أولويات الحكومة – التعليم ليس من أولوياتها وهي لا تؤمن الميزانية اللازمة له".
— رئيس منظمة غير حكومية تعمل على حقوق المرأة، بنجاب.
"كل أم تريد أن يتعلم أطفالها، ولكن لا يوجد نظام حكومي لتقديم الخدمات".
— رئيسة منظمة أهلية، كراتشي
التمييز الجندري في توفير المدارس الحكومية
"إن كانت هناك 10 مدارس للصبيان نجد 5 فقط للفتيات".
— خبير تربوي، خیبر بختونخوا.
الفقر وكلفة التعليم
"الحكومة لا تساعد الفقراء. لا يمكننا تعليم أطفالنا ولا يمكننا تأمين طعامنا".
— روخسانا (30 عاما)، أم لثلاثة أطفال خارج المدرسة، نادرا ما يتمكن زوجها من العمل بسبب المرض، لم تتمكن من تأمين تكاليف التعليم، كراتشي.
"قد تكون المدرسة مجانية، لكن هناك دائما تكاليف إضافية لسبب أو لآخر. تصوير أوراق، قرطاسية، كل يوم نفقة جديدة. فحقيبة المدرسة لوحدها تكلّف 500 روبية [4.76 دولار أمريكي]... هناك شيء جديد يوميا".
— ظريفة، أم لخمسة أطفال خارج المدرسة، بلوشستان.
"أردت أن تتعلم بناتي، لكنني لم أتمكن من تعليمهن بسبب الفقر. راتب زوجي 1,200 روبية [114 دولار أمريكي] في الشهر. لا يبقى معنا منه شيء في آخر الشهر ولا يمكننا أن نفعل أي شيء. أريد مدرسة لبنات الأسر الفقيرة".
— حليمة (38 عاما)، كراتشي، أم لخمس بنات بين سن 13 و19 ولم تذهب أي منهن إلى المدرسة لأكثر من عام أو عامين. يعمل زوجها في مصنع للعلوك.
مخاوف حول المستوى والفساد
"في كثير من الأحيان كان الأستاذ يأتي متأخرا أو لا يأتي قط. كنا نذهب إلى المدرسة نجلس طوال الوقت ثم نعود إلى المنزل".
— حكيمة (17 عاما)، كراتشي، في وصف مدرستها الابتدائية.
"في السنوات الخمس الأخيرة، على الجميع دفع [المال للحصول على وظيفة تعليم حكومية]. الأمر يستحق العناء لمجرد الحصول على الراتب – فهذا استثمار. وقد أثّر ذلك على مستوى التعليم – ليس هناك تعليم".
— مدير منظمة أهلية، كراتشي.
"يأتي [المفتشون] مرة أو اثنتين في السنة دون الإعلان عن الزيارة مسبقا. يمضون نحو نصف ساعة. يريدون الشاي والتسلية. يجب إرضاؤهم وإلا قالوا إن مدرستك ليست جيدة. في إحدى المرات جعلتُ المفتش ينتظر فغضب ورحل قائلا، ’سأكتب تقريرا سيئا‘. ذهب زميلي لاحقا إلى منزله ودفع له 25 ألف روبية [238 دولار أمريكي] فحصلنا على تقرير جيد".
— مديرة مدرسة خاصة، في وصف إشراف الحكومة على المدرسة، بنجاب.